الأحد، 18 يوليو 2010

حول المسألة القبطية

حول المسألة القبطية
أولآ بين الدين والقانون والحكم
يحتوى الكتاب المقدس ( دستور المسيحية ) الذى يتضمن الأنجيل بين دفتيه على القواعد والنواميس التى تحكم علاقة المسيحى بالله سبحانه وتعالى ، بالأضافة للعرف المسيحى بخصوص علاقة المسيحى مع شركائه فى الوطن ، بغض النظر عنم أنتماءاتهم الدينية بما يطلق عليه فى علم اللاهوت المسيحى أسم اللاهوت الأدبى ، وهو ببساطة القواعد الأخلاقية المتعارف عليها عند أصحاب الديانات جميعآ ، وعلى سبيل المثال يحرم القتل أو السرقة أو الزنا أو غيرها من الشرور المستهجنة ويدعو الى البر بالوالدين ومعاملة الناس بالحسنى والمحبة والمودة والولاء للحاكم أيآ كانت ديانته .. الى آخر هذه الأمور المستحبة لدى كل أصحاب الديانات ، ولكن القانون بوصفه قانونآ وضعيآ يصلح ليكون أنموذجآ للمشرعين فقد رفض الكتاب أصلآ الخوض فيها حتى المسيح نفسه عندما جاء أليه أحدهم يطلب منه أن يساعده بأمر شقيقه  حتى ينصفه ويمنحه ما يخصه من ميراث يقول  له "يأنسان من أقامنى عليكما قاضيآ او مقسمآ " الأنجيل بحسب البشير لوقا أصحاح 12 عدد 14 "وعندما أراد اليهود أن ينصبوه ملكآ عليهم جاز من وسطهم ومضى وأعميت أعينهم عن متابعته ويقول أيضآ فى الأنجيل بحسب يوحنا أصحاح 6  15 " وأما يسوع فأذ علم أنهم مزمعون أن يأتوا ويختطفوه ليجعلوه ملكآ أنصرف ألى الجبل وحده " وقد دافع عن نفسه أمام بيلآطس البنطى الحاكم الرومانى آنذاك لإى الأنجيل بحسب البشير يوحنا الأصحاح 18 عدد 36 " أجاب يسوع مملكتى ليست من هذا العالم . لو كانت مملكتى من هذا العالم لكان خدامى يجاهدون لكى لا أسلم ألى اليهود . ولكن الآن مملكتى ليست من هذا العالم " أذآ ما هو رأى المسيحية فى أدارة شئون البلاد ؟ وما هو رأيها فى القوانين الوضعية ومنفذيها ؟
يطالعنا الكتاب المقدس فى الجزء الذى يطلق عليه رسالة روميه ( روما) وهو أرسل رسالة للمسيحيين فى روما التى كانت تحفل فى ذلك الوقت بنظام قانونى صار فيما بعد أساسآ للأنظمة القانونية العالمية الحديثة ، فقد كان لديهم مجلسآ تشريعيآ يطلق عليه أسم مجلس السينود أى مجلس الشيوخ وهو البرلمان الذى يقوم بتشريع القوانين المعمول بها فى الدولة ، على مثال مجلس الشعب أو الأمة أو الشيوخ أو البرلمان المعروف فى أى بلد متحضر ولذلك كان لهذه المدينة نظامها القانونى المستقر ، الذى قام بأعداده نوابآ غير مسيحيون بالمرة وقت أرسال هذه الرسالة أليهم  حيث يقول فى الأصحاح  13 عدد 1 - 7 " لتخضع كل نفس للسلاطين الفائقة ، لأنه ليس سلطان ألا من الله والسلاطين الكائنة هى مرتبة من الله حتى أن من يقاوم  السلطان يقاوم ترتيب الله والمقاومون سيأخذون لأنفسهم دينونة فأن الحكام ليسوا خوفآ للأعمال الصاحة بل للشريرة . أفتريد أن لا تخاف السلطان ؟ أفعل الصلاح فيكون لك مدح منه لأنه خادم الله للصلاح ! ولكن أن فعلت الشر فخف ، لأنه لا يحمل السيف عبثآ ، أذ هو خادم الله ( لاحظ انه يتكلم عن حكام وثنيون فى ذلك الحين )، منتقم للغضب من الذى يفعل الشر لذلك يلزم أن يخضع له ، ليس بسبب الغضب فقط بل أيضآ بسبب الضمير . فأنكم لأجل هذا توفون الجزية أيضآ ، أذ هم خدام الله مواظبون على ذلك بعينه . فأعطو الجميع حقوقهم . الجزية لمن له الجزية . الجباية لمن له الجباية والخوف لمن له الخوف والأكرام لمن له الأكرام "هذا هو ما يعلمه الكتاب
والمعروف فى فقه المسيحية أن هذا الموقف له أسبابه فهو يقر بأولوية رجال القانون المتخصصون فى صياغة القوانين لأبتداع المواد التى من شأنها صلاح العباد أو المواطنين، حالة الصلاح هذه تختلف من جيل ألى جيل ومن عصر ألى عصر وعلى سبيل المثال عندما كانت البلاد فى العصر الأشتراكى كان مجرد ضبط أحد الأفراد وهو يحمل نقدآ أجنبيآ غير مثبت حصوله عليه من البنك على باسبور السفر الخاص به أعتبر هذا فى عرف القانون آنذاك جريمة أطلق عليها فى ذلك الحين جريمة أتجار فى النقد الأجنبى أو حيازة نقد أجنبى أوأتجار بالنقد الأجنبى فى السوق السوداء ، وكان المشرع يرى أن هذه الجرائم من شأنها الأضرار بالمصالح الأقتصادية للبلاد فكان يصادر الأموال المضبوطة ويحكم بالسجن على مرتكب هذه الجريمة الشنعاء
وبعد عصر الأنفتاح الأقتصادى تعدلت القوانين وصار الأتجار فى النقد الأجنبى أمر مشروع تقام له المصارف الخاصة التى يملكها أفراد لبيع أو شراء العملة الأجنبية دون ربطها بأى علاقة بباسبور السفر أو خلافه
ولأن القانون علم ، والعلم متغير له علماؤه الذين يحصلون على درجاتهم العلمية نتيجة أكتشافاتهم لأخطاء سادت فى الماضى ويقومون هم كعلماء بتعديلها ، بينما الدين فى فرضياته الأساسية الثبات المطلق مما يستحيل الجمع بين ما هو متغير داخل أطار ما هو ثابت
ثانيآ المسيحية وسلطة رجل الدين
فى عصور التخلف فى أوروبا أبان العصور الوسطى كانت أوروبا تتحدث بلغاتها المحلية بينما أصرت الكنيسة آنذاك على أستخدام اللغة اللاتينية التى كان يجهلها الشعب كذلك الكثير من رجال الدين فقد كانوا يقرأونها نصآ كالببغاء دون فهم محتواها مما أدى لتبنى الكنيسة لقواعد ونواميس وتفاسير ونصوص لا علاقة لها بالكتاب بسبب تفشى الجهل بما هو وارد فى الكتاب المقدس، ولأن الشعب كان يكل أمره لرجال الدين ويثق فيهم فقد كان يطيع بلا مناقشة ، وفى تلك الآونة من الزمان أبتدع البابا أضافة مبدأ جديد لمبادىء الكنيسة ألا وهو " عصمة البابا " ومعناه أن البابا معصوم من الخطأ وصدق الناس البابا أن الكتاب يعطيه هذا السلطان مع أن الكتاب لم يذكر ذلك ولا حتى لمح له ، وبأسم هذا المبدأ كان البابا ينصب الملوك فى أوروبا أو يقصيهم عن الملك ، وبأسم هذا المبدأ قرر أمر جيوش أوروبا وملوكهم للزحف على المشرق الأسلامى بدعوى تحرير القدس من أيدى المسلمين مع أن الكتاب المقدس يجرم شن المسيحى لحرب على وجه الأطلاق وكان هدف البابا ليس مجرد تحرير القدس من أيدى المسلمين فقط ، ولكن أخضاع كنيسة الأسكندرية التى تأبى الخضوع لسلطانه ، وبأسم هذا المبدأ أقام محاكم التفتيش فى أوروبا لأبادة كل من يثبت أنه ليس كاثوليكيآ خاضعآ للبابا مهما كانت ديانته فعليه التخلى عنها بالخضوع لجلالته
ومع أن الشرق المسيحى لم يصبه ما أصاب الغرب بخصوص " عصمة البابا " الا أن الكنيسة كانت من آن لأخر لا تحرم من تولى بعض الجهلاء أمور التعليم الكنسى فدخل الكثير من الآراء الشخصية التى أكتسبت قوتها من عامل الزمن وتقادم العهد ورغبة الكثيرون حتى المتعلمون بعدم أضاعة جهدهم فى الرجوع للأصول الكتابية ، بالأضافة للتركيبة المصرية الفرعونية التى أقامت من قبل الفراعنة ، فبلادنا هى التى فرعنت الفراعين ، بالأضافة  لأن الكنيسة المصرية كانت تطمح لأيجاد مكانة متوازية مع الكنيسة الغربية فبدأ النفوذ الدينى يتحول شيئآ فشيئآ ألى ذلك الوضع الذى صرنا فيه الآن
ولأن السياسة لا تعرف العداء على طول الخط بل هى فن أيجاد الحلول المرضية لكل الأطراف او الحلول الوسط ، وهى فن محاولة الحصول من العدو على أقصى أستفادة ممكنة فها نحن نرى جماعات تعادى الكنيسة أصلآ تؤيد  رجال الكنيسة فى التمرد على سلطة القانون ليس حبآ فى زيد بل كراهة فى عمرو كما يقول المثل ، نفس هذه الكأس يحاول رجال الكنيسة أن يستخدموها لصالحهم ضد مصالح الطوائف المسيحية الأخرى بأبراز بعض التقارب مع الدولة بشأن الأمور المتفق عليها وطنيآ طمعآ فى مساندة الدولة فى صد الفكر الوافد للكنيسة من الخارج والنابع من دراسة الكتاب المقدس ذاته بأبطال تأليه البشر ولأجل كراهة عمرو يتحببون لزيد فيصفون غيرهم على خلاف الواقع بالعلاقات مع دول بعينها أو تلقى أموالا من جهات أخرى مع أن كل ما يشيعون أفكآ وعدوانآ وأستخدامآ للأخر للحصول على أطماعهم الخاصة ، واليوم أنسدل الستار وظهرت مصداقية ذلك التأييد من عدمه وها هم يشرعون فى وجه المشرع والقضاء سلاحآ أطلقوا عليه المخالفة لأوامر الكتاب المقدس لكن الكتاب برمته لا يحتوى على المقولة التى رددوها وصدقها الناس أن الكتاب يقول " لا طلاق ألا لعلة الزنى " أتحدى من يأتينى بمثل هذا النص بنفس هذه الصياغة التى تنضوى على تحريف متعمد لقصد الكتاب بأعادة صياغة كلماته بالصيغة التى تخدم أغراضهم ولكى نناقش هذا الأمر دعونا نتعرف على وجهة نظر المسيحية فى موضوع الزنا أو ما هو الزنا فى عرف الكتاب المقدس
ثالثآ معنى الزنا فى الكتاب المقدس
من بين الوصايا العشر المذكورة فى التوراة فى سفر الخروج الأصحاح 20 عدد 14 الأمر الألهى للأنسان " لا تزن " ومن وقت كتابة هذا النص فى القرن الخامس عشر قبل الميلاد حتى اليوم صار هذا المبدأ معمولآ به بين الشعوب التى تتبع الهدى ، هدى الله سبحانه وتعالى للبشر وشريعته المنزلة
وبالرغم من أن التعبير لغويآ فى القاموس يعنى " أتى المرأة من غير عقد شرعى " ( المعجم الوسيط ) ألا أن الكتاب المقدس فى المسيحية يوسع من مدلولات هذه الكلمة كما يلى 
أولآ:- الزنى الروحى
عندما ضل بنو أسرائيل وعبدوا آلهة أخرى غير الله سبحانه وتعالى أو عرضوا أنفسهم لهذا النوع من ضعف الولاء لعبادة الله يقول فى التوراة نفسها التى حرمت الزنى فى خروج 34 : 14 - 16 " فأنك لا تسجد لأله آخر . لأن الرب أسمه غيور .أله غيور هو. أحترز من أن تقطع عهدآ مع سكان الأرض ( ويقصد بخصوص العبادة كما سيتضح من تكملة النص )فيزنون وراء آلهتهم فتدعى وتأكل من ذبيحتهم وتأخذ  من بناتهم لبنيك فتزنى بناتهم وراء آلهتهن ويجعلن بنيك يزنون وراء آلهتهن " ومن ذلك أيضآ ما ورد فى سغر المزامير ( أى الزابور) 73 عدد 27 ، 28 " لأنه هوذا البعداء عنك يبيدون . تهلك كل من يزنى عنك . أما أنا فالأقتراب ألى الله حسن لى جعلت بالسيد الرب ملجأى لأخبر بكل صنائعك "  فالزنى هنا ليس وصفآ لعلاقة جنسية ما بين الله سبحانه وتعالى -وحاشا لله أن يكون كذلك- والأنسان بوجود طرف ثالث وهو الآلهة الغريبة لأن الله منزه عن ذلك سبحانه ، وأنما يصف حالة التحول فى الأنتماء عند الأنسان الخائن الذى يخون أرتباطه بالله ويلتفت للولاء  لأله آخر غير الله أو الأتكال الأيمانى على غير الله مثل الأتكال على الأسحار وما أليها من دروب بعيدة عن تعاليم الله سبحانه وتعالى فمثل هذا الموقف يسمى فى عرف الكتاب بالزنى أى الزنى الروحى
ثانيآ:- الزنى الحكمى
ومن ذلك ما قاله المسيح فى الأنجيل بحسب البشير متى الأصحاح 5 عدد   27" قد سمعتم أنه قيل للقدماء لا تزن وأما أنا فأقول لكم أن كل من نظر لأمرأة ليشتهيها فقد زنى بها فى قلبه " والعجيب أنه بعد هذا النص مباشرة يتحدث عن الطلاق وكأنه يريد تعريف الزنى بهذا التعريف الجديد الذى يعنى أختفاء الولاء لشريك الحياة ولو  لمدة زمن وجيز حتى لو لم يصل الأنغماس أثناءه  الى حد الوقوع فى الزنى الفعلى الذى هو العلاقة الغير المشروعة جنسيآ بين الرجل والمرأة هذا الفعل البسيط مثل نظرة الشهوة على سبيل المثال يطلق المسيح عليه زنى لذلك فهو زنى حكمى فكل طرف من أطراف العلاقة الزوجية يلتزم بالولاء للأخر دون مجرد أشتباه فى علاقة مع طرف ثالث حتى لو لم تصل ألى حد الفعل الجنسى ذاته ، فالمرأة التى تشق عصا الطاعة لزوجها فتخرج كيف تشاء وتصادق من تريد من رجال أجنبيين عن تلك العلاقة التى هى بينها وبين زوجها فقط تكون قد وقعت فى حالة الزنى الحكمى كذلك الرجل الذى يرتاد أماكن مشبوهة بقصد المتعة حتى لو لم يتوفر له الفعل الجنسى ذاته وقع كذلك فى الزنا الحكمى
رابعآ الطلاق بحسب شريعة الكتاب المقدس
قلنا أن الأشاعة التى صارت تعمل كما لو كانت نصآ كتابيآ قد سرت بين الناس وهى أدعاء أن الكتاب المقدس يقول " لا طلاق ألا لعلة الزنى " لم يقل الكتاب ذلك بل قال فى الأنجيل بحسب البشير متى الأصحاح 5 عدد 31 ، 32  على لسان المسيح نفسه " قيل من طلق أمرأته فليعطها كتاب طلاق ، وأما أنا فأقول لكم أن من طلق أمرأته ألا لعلة الزنى يجعلها تزنى ومن يتزوج بمطلقة فهو يزنى "وتعقيبنا على النص هو كما يلى

1- أن هناك حالات طلاق شرعية كانت تحدث أيام المسيح ولم يورد فى هذا النص تحريمآ أو تجريمآ لها ولكنه أنما يضيف شيئآ عليها أمعانآ فى محاولة أصلاح المجتمع وسد الثغرات فى تطبيق القانون
2- أن قوله من طلق أمرأته ألا لعلة الزنى هو قول غير متبوع بعقوبة مفروضة على من لا يتبعه مثلآ لم يفل أن مثل ذلك الرجل الذى يطلق أمرأته لغير علة الزنى رجل كافر أو يجب معاقبته بالعقاب الفلانى أو حتى غير مقبول أمام الله ، وعليه فهو لا يتحدث على سبيل الوجوب بل على سبيل الأجازة أى يفاضل بين مختلف الأسباب التى تدعو للطلاق ويجد أن هناك أسبابآ أخلاقية تؤدى لصلاح المجتمع تترتب على أختياره هذا  أورده بعد ذلك ولكن هذا السبب يتفوق على سائر الأسباب 
3- أن مفهوم الزنى لديه يشمل الزنى الحكمى لذلك صرح بتعريف الزنى من وجهة نظره فى نفس الأصحاح الأعداد 27 حتى 30 وهى الأعداد السابقة على هذا النص مباشرة
4- أن أختياره لعلة الزنا دون غيرها لم يكن مقصود به أنه العلة الوحيدة لأباحة الطلاق كما يحاول البعض أيهامنا بذلك من خلال التعديل الذى أدخلوه على الصياغة فى هذه الفقرة لأشاعة ما يرغبون هم فى تأكيده لا ما يريد المسيح أن يعلنه ، هذا التفضيل من جانب المسيح له أسبابه التى كانت موجودة فى ذلك الزمان ولا يزال بقاياها حتى الآن موجودة فى بعض الحالات عندما تكون المرأة بلا مورد أقتصادى لأعالتها غير زوجها فقد كانت الأرض مقسمة على أسباط بنو أسرائيل بحسب عشائرهم وعائلاتهم على الرجال دون الأناث مما يجعل المرأة فى حالة طلاقها بلا مورد مالى فتضطر لممارسة البغاء والرذيلة لكسب قوتها المشبوه فى ذلك الحين ولكن فى حالة وجود قوانين تراعى حقوق المرأة المطلقة فلا مقتضى من هذا التفضيل
5-هناك من يرى أن دعوة المسيح لوضع حالة الطلاق بسبب الزنا فى برواز خاص مفاده أدراك المسيح لطبييعة المرأة التى تطلق وهى تشعر بالضيم والأمتهان لأنوثتها مما يؤدى لأتباعها الرزيلة كرد أعتبار لأنوثتها الجريحة، والمسيح يريد تجنيب المجتمع مغبة الوقوع فى هذا الخطر فأذا توفرت العدالة للمرأة فلا مقتضى لوجود هذا البرواز
6-لم يقم المسيح بألغاء قاعدة وجوب منح المطلقة كتاب طلاق وعلة ذلك أن الطلاق المثبت والموقع والمشهر من الزوج يعفى الزوجة فى المستقبل بعد الطلاق مغبة الألتزام أمام هذا الزوج بأى حقوق زوجية كانت ناشئة عن العقد الذى أنفصمت عراه
7-لم يكن البطاركة الذين سمحوا بسريان الطلاق فى عهودهم خارجين على الملة بل فهموا ما قاله المسيح ولذلك أجازوه
8- أن التحريم والتجريم لم يكن للطلاق فى حد ذاته وأنما لزواج المطلقة والنص يذكرها دون ذكر المطلق الرجل فلو كان ألأيمان بالحرفية هو المفضل لهؤلاء فلماذا أجازوا زواج المطلقة دون المطلق أى العكس ؟؟؟؟ بالنيابة عنهم أجيب:- لأن النص فى واقعه يقيم حالة المطلقة فى هذا العصر بأنها المرأة التى لا تجد لها موردآ ماليآ كما أسلفنا سوى عن طريق الرذيلة أما وقد صارت المرأة اليوم لها مصدر شريف للكسب والعمل فلا مقتضى بمنع المطلقة من الزواج الآخر ما دام الأمر ألذى لأجله نهى المسيح عن زواجها قد أنقضى ولم يعد له وجود وبذلك لم تقع الكنيسة فى مخالفة قوله لأنها فهمته فلماذا تحاول حظر الطلاق وصياغة تعبير يوهم سامعه بأن الطلاق يعد تعديآ على أمر المسيح رغم أنه لم يكن أمرآ ؟نحن نرى أن هناك أسبابآ دعت الكنيسة لذلك أوجز بعضها كما يلى
1- أستثمار حالات الفاشلين والفاشلات زوجيآ لأستخدامهم وتوظيف ولائهم كمؤيدين أو منتمين للقادة ، والوصول بهم لحالة من الولاء الكامل الذى يقترب من حالة تأليه البشر، وحتى غير الفاشلين والفاشلات يصلحون للقيام بهذا الدور عندما يضربون على وتر حماية بناتهم من بطش القانون أذا ما حدث الطلاق ولا سيما بعد أشاعة القول بأنه " لا طلاق ألا لعلة الزنى ": ومن من هؤلاء جميعآ يتمنى أن توصف أبنته أو أخته بهذا الوصف ؟.؟؟؟
2- خوف القادة على البيوت التى تستمر فيها العلاقة الزوجية رغم تعرضها للكثير من المتاعب عند أباحة الطلاق فأنها سوف تنفصم عراها وتتفكك وبذلك تزداد الهموم الرعوية
3- جذب بعض  الفئات التى خرجت من الكنيسة الأرثوذكسية لأتباعها مذاهب أخرى عندما تجد الكنيسة تدافع عن مقولة تنسبها للكتاب وبذلك تتسع قاعدة الولاء لهؤلاء القادة
4- أعتماد بعض المطلقات اللآئى طلقن بسبب تغيير الملة كمبرر مدنى شرعى للطلاق دون وجود مصدر عادل للدخل على معونات الكنيسة التى ناء بها الحمل ولا تريد المزيد من الأعباء
 ورب قائل بأن هناك نصوصآ أخرى بخصوص الطلاق تؤيد قصره على علة الزنى مثلآ ما ورد الأنجيل بحسب البشير لوقا الأصحاح 16 عدد 18 حيث يقول " كل من يطلق أمرأته ويتزوج بأخرى يزنى وكل من يتزوج بمطلقة من رجل يزنى "نقول :-
أن هذا النص يتحدث بمثالية مطلقة لا وجود لها فى عالم الواقع فقد أورده الأنجيل بحسب البشير لوقا على سبيل الأختصار لموقف  حدث بين المسيح وتلاميذه أثناء تعليمه لهم بخصوص الطلاق وقد أورد النص كاملآ البشير متى وهو غير النص الذى أورده نفس البشير وقمنا بالتعليق عليه حيث يقول فى الأصحاح 19 الأعداد 4 - 12  " فأجاب وقال لهم أما قرأتم  أن الذى خلق من البدء خلقهما ذكرآ وأنثى ؟ وقال من أجل ذلك يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرأته ، ويكون الأثنان جسدآ واحدآ. أذآ ليسا بعد أثنين بل جسد واحد فالذى جمعه الله لا يفرقه أنسان قالوا له فلماذا أوصى موسى بأن يعطى كتاب طلاق فتطلق قال لهم أن موسى من أجل قساوة قلوبكم أذن لكم أن تطلقوا نساءكم ولكن من البدء لم يكن هكذا وأقول لكم أن من طلق أمرأته ألا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزنى والذى يتزوج بمطلقة يزنى ( نفس المقولة الواردة فى لوقا )قال له تلاميذه أن كان هكذا أمر الرجل مع المرأة فلا يوافق أن يتزوج فقال لهم ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بل الذين أعطى لهم لأنه يوجد خصيان ولدوا هكذا ( أى رجل مولود بدون قدرة جنسية ) من بطون أمهاتهم . ويوجد خصيان خصاهم الناس ( أى فقدوا رجولتهم لأسباب تخص المجتمع من خلال حادث أو نحوه ). ويوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت السموات ( أى الذين تنازلوا عن هذه القدرة لاسباب التفرغ للعبادة أو غيرها كما يفعل الرهبان ) من أستطاع أن يقبل فليقبل
 وبناء على هذا النص نتعرف على أن النص الذى يستخدم المذكور فى لوقا هو جزء من هذا الكل وأن من أهم قواعد التفسير الصحيح عدم الأكتفاء بالنص دون مقابلة وروده فى الأجزاء الأخرى فهو نوع من بتر المعنى العام للنص وأن البشير لوقا أكتفى بهذا الجزء على سبيل التأ ريخ لفكر المسيح وعرض هذا الفكر أمام قاضى كان منوطآ به محاكمة بولس الرسول ( العزيز ثاوفيلس )وكان مطلوبآ منه توضيح حقيقة المسيح الذى يدافع عنه بولس لكى يتعرف القاضى على مجمل القضية وعليه فلم يهتم الوحى وهو يقود لوقا بالخوض فى التفاصيل ولا سيما أن متى البشير ذكرها
كما يتضح من النص أن التلاميذ كانوا من بين المعترضين على هذه الصورة المثالية حتى قالوا أن كان  هكذا  أمر الرجل والمرأة فلا يوافق أن يتزوج ( بضم الميم مبنى للمجهول )
ومعنى كلامهم أنه لو كان الزنا وحده هو المبررللطلاق فلا مبرر للزواج بالمرة ومعنى ذلك أن التلاميذ أنفسهم يعترضون على هذا لكن المسيح يرد فيثبت أنها ليست قاعدة شرعية يصلح تطبيقها على الجميع عندما يقول ليس الجميع يقبلون هذا الكلام بمعنى أنه يسمح لمن لا يقبلون هذا الكلام بأتباعه وأتناع دينه ثم يستطرد بحديثه عن الذين لا علاقة لهم بالنساء -للتدليل على مدى مثالية ما يراه - ولا سيما من يرغبون فى عدم الزواج بالمرة ويختم القول بقوله من أستطاع أن يقبل فليقبل ومعنى ذلك أن هذا الحكم قابل للتطبيق على كل من يستطيعه وأما من لا يستطيعه فهو معفى منه ثم يقول ما جمعه الله لا يفرقه أنسان فهل نفترض أن الخطيب والخطيبة الذين يتوجهون لعقد الزواج أمام الكاهن أو القسيس يتم زواجهما وتجميعهما  بواسطة الله فيكون الكاهن أو القسيس هو الله أن هذه الصفة لا تجوز للكاهن أو القسيس بل يمكن أن نطلق على الكنيسة مجتمعة أنها تنوب عن الله والذى يحدث فى الزيجات يكون خلاف ذلك فلا الكنيسة تستشار ولا حتى القسيس نفسه ولكن هو توافر رغبة لدى طرفين وكاهن يحمل دفتر التوثيق الخاص بوزارة العدل وقاعة تم حجزها بواسطة أموال العريس ومجرد أقرار بعدم وجود موانع للزواج من الكنيسة يفيد أن العريس مؤهل للزواج بتلك العروس أو غيرها أو أن العروس مؤهلة للزواج من ذلك العريس أو غيره أذآ الصورة مثالية جدآ يندر تحقيقها وفى حال تحقيقها يكون الزواج موفقآ لا يحتاج أساسآ للطلاق ولا التفكير فيه
خامسآ ما هى علاقة الكنيسة بالدولة
يتضح من الكلام السابق أن على الكنيسة أطاعة قوانين الدولة بأمر مباشر فى الكتاب المقدس سبق أن أوردناه ولكن ما الذى حدث للكنيسة المصرية بالذات ؟
فى عام 1874 صدر الأمر بأنشاء المجلس الملى للأقباط الأرثوذكس فى عهد الخديوى أسماعيل وبطريركية البابا كيرلس الخامس ، وغضب البابا وقتها من تدخل الدولة فى شئون الكنيسة الداخلية فقد كان من بين المؤمنين بوجوب فصل الدين عن السياسة، فذهب ألى الدير معتكفآ عملآ بالقرار الهمايونى الذى يحظر على ولى الأمر بحبس البطريرك مع العامة بل يذهب للدير ، وتدخل بطرس باشا غالى الذى صار فيما بعد رئيسآ للوزراء للصلح بين الخديوى والبطريرك وتمت المصالحة على أساس أن يكون البطريرك نفسه هو رئيس المجلس الملى وأما الوكيل وسائر الأعضاء فهم منتخبون من بين الشعب ، وقد أنيطت بهذا المجلس مهمة الفصل فى قضايا الأحوال الشخصية وطلب بناء الكنائس وتسجيل القائمين على خدمتها وما أليها من مهام ، ولكن شيئآ فشيئآ بدأت تنسحب من هذا المجلس بواسطة الحكومات المتعاقبة بعض الأمور ومنها أسناد مهمة الأحوال الشخصية للمحاكم الشرعيبة وسن القوانين التى تحكم فى هذه القضايا ومن بينها القانون الصادر عام 1938 وكان الأمر قبل هذا القانون يخضع المسيحيون فيه لسلطة الكنيسة مباشرة فى قضايا التبنى والنسب والأعلام الشرعى والتوريث والزواج والتطليق دون تدخل الدولة فلا دين فى السياسة ولا سياسة فى الدين  ولكن صار المجلس الملى له قالب  وشكل رسمى داخل نسيج الكنيسة وكأن الكنيسة قد أستدرجت للدخول ألى معترك الحياة السياسية وصارت الكنيسة ووزارة العدل فى حالة تداخل وتشابك وأشتباك فى كثير من الأحيان
فوزارة العدل بما ناءت به من حمل ثقيل يتمثل فى كم القضايا الهائل الملقى على كاهلها حمل ناء بحمله القضاة وشغل أروقة المحاكم التى صارت تتهم بالتقصير والبطىء وأحيانآ بالتساهل ,واحيانآ أخرى بالسعى بطرق ملتوية لأخراج البعض من ملتهم لتوفير الوقت الذى تستلزمه أجراءات التقاضى ، وفى نفس الوقت صارت الكنيسة مغلولة اليدين لا تملك حلآ للمشاكل الأسرية التى تعرفها عن قرب وصارت المشاكل الأسرية عبئآ مضافآ عليها لا تملك حله فلو كانت فى الدولة المدنية تصاريحآ لبناء الكنائس والجوامع من خلال القنوات المحلية الشعبية دون الحاجة للمجالس الملية ولو عاد القساوسة ورجال الدين لوصف خدمتهم بالخدمة التطوعية التى لا تحتاج للأدراج ضمن قائمة المشتغلين بالكنيسة بأعتبارهم موظفين لو حدث هذا تعود الخدمة لأصولها الكتابية ولتوفر العناء وأنفض المجلس وصارت الكنيسة للعبادة وتطبيق أوامر الكتاب ولا يكون لها تدخل أو تداخل مع أحكام القضاء وبذلك تكون علمانية الدولة
الأسقف الدكتور جوزيف المنشاوى
عضو مجلس شيوخ كلية كامبردج للاهوت
أوهايو - الولايات المتحدة الأمريكية

ليست هناك تعليقات: