الأربعاء، 28 ديسمبر 2011

الأصول التاريخية والكتابية للأحتفال بعيد الميلاد ( الكريسماس ) ----

مقدمة :-
يعتبر تاريخ مجمع نيقية 325 م هو التاريخ الحاسم لتشكيل الكثير من الصيغ الشكلية النهائية الشائعة فى العالم اليوم للكيان المسيحى على إختلاف إتجهاته وطوائفه.
ويصدق هذا الوصف على ما هو مستقر لدى الطوائف التقليديـــــــــــــــــة والطوائف البروتستانتية كذلك ،فقد توصل رجال الكنيسة فى ذلك الوقت بعد إنضمام"قسطنطين" الملك الرومانى للكنيسة المسيحية ، وقد كان فيما قبل وثنيآ ، بحيث سعت الكنيسة  - متمثلة فى رجالها - لإيجاد صيغة توافقية بين الوثنية والمسيحية ، تكون بمثابة حلول وسطى للإشكاليات القائمة فى المجتمع الذى يشمل عموم أنحاء الإمبراطــــــــــــورية الرومانية فى ذلك الحين .
وكانت هذه الإشكاليات تختص بشكل ممارسة الدين ، بين الطقس الوثنى والعبــــــــادة المسيحية , ولم يكن هذا الدمج أو الموائمة أو التآلف بين الوثنية التى كانت تسرى فى أوصال الإمبراطور وغالبية أفراد الشعب وبين المسيحية التى كان يدين بها المسيحيون الذين كانوا مضطهدين بسبب إختلاف توجهاتهم الفكرية والإجتماعية مع الغالبــــــــية العظمى من أبناء المستعمرات الرومانية ، لم يكن هذا التوائم سهلآ لو كان هدفـــــه هو إيجاد القواسم المشتركة فى الممارسات الدينية والأجتماعية الشكلية بين الفريقين ، لو كان المطلوب هو التوائم بين فكر وعقيدة الكتاب المقدس أو الأصول الجوهـــــــرية فى المسيحية وبين الفكر الوثنى ، ولكن كانت هذه القواسم المشتركة ممكنة بين الفكـــــــر الوثنى وفكر الآباء الذين عاشوا فى ذلك المجتمع الوثنى ومنهم كان الحصول على تلك القواسم المشتركة سهلآ ، فقد كان الفكر الكتابى ينأى بهم عن هذه الغاية حيث يقول فى غلاطية 4 : 8 - 11

8لكِنْ حِينَئِذٍ إِذْ كُنْتُمْ لاَ تَعْرِفُونَ اللهَ، اسْتُعْبِدْتُمْ لِلَّذِينَ لَيْسُوا بِالطَّبِيعَةِ آلِهَةً. 9وَأَمَّا الآنَ إِذْ عَرَفْتُمُ اللهَ، بَلْ بِالْحَرِيِّ عُرِفْتُمْ مِنَ اللهِ، فَكَيْفَ تَرْجِعُونَ أَيْضًا إِلَى الأَرْكَانِ الضَّعِيفَةِ الْفَقِيرَةِ الَّتِي تُرِيدُونَ أَنْ تُسْتَعْبَدُوا لَهَا مِنْ جَدِيدٍ؟ 10أَتَحْفَظُونَ أَيَّامًا وَشُهُورًا وَأَوْقَاتًا وَسِنِينَ؟ 11أَخَافُ عَلَيْكُمْ أَنْ أَكُونَ قَدْ تَعِبْتُ فِيكُمْ عَبَثًا!
كذلك فى كولوسى2 : 16 - 23
16فَلاَ يَحْكُمْ عَلَيْكُمْ أَحَدٌ فِي أَكْل أَوْ شُرْبٍ، أَوْ مِنْ جِهَةِ عِيدٍ أَوْ هِلاَل أَوْ سَبْتٍ، 17الَّتِي هِيَ ظِلُّ الأُمُورِ الْعَتِيدَةِ، وَأَمَّا الْجَسَدُ فَلِلْمَسِيحِ. 18لاَ يُخَسِّرْكُمْ أَحَدٌ الْجِعَالَةَ، رَاغِبًا فِي التَّوَاضُعِ وَعِبَادَةِ الْمَلاَئِكَةِ، مُتَدَاخِلاً فِي مَا لَمْ يَنْظُرْهُ، مُنْتَفِخًا بَاطِلاً مِنْ قِبَلِ ذِهْنِهِ الْجَسَدِيِّ، 19وَغَيْرَ مُتَمَسِّكٍ بِالرَّأْسِ الَّذِي مِنْهُ كُلُّ الْجَسَدِ بِمَفَاصِلَ وَرُبُطٍ، مُتَوَازِرًا وَمُقْتَرِنًا يَنْمُو نُمُوًّا مِنَ اللهِ.
20إِذًا إِنْ كُنْتُمْ قَدْ مُتُّمْ مَعَ الْمَسِيحِ عَنْ أَرْكَانِ الْعَالَمِ، فَلِمَاذَا كَأَنَّكُمْ عَائِشُونَ فِي الْعَالَمِ؟ تُفْرَضُ عَلَيْكُمْ فَرَائِضُ: 21«لاَ تَمَسَّ! وَلاَ تَذُقْ! وَلاَ تَجُسَّ!» 22الَّتِي هِيَ جَمِيعُهَا لِلْفَنَاءِ فِي الاسْتِعْمَالِ، حَسَبَ وَصَايَا وَتَعَالِيمِ النَّاسِ، 23الَّتِي لَهَا حِكَايَةُ حِكْمَةٍ، بِعِبَادَةٍ نَافِلَةٍ، وَتَوَاضُعٍ، وَقَهْرِ الْجَسَدِ، لَيْسَ بِقِيمَةٍ مَا مِنْ جِهَةِ إِشْبَاعِ الْبَشَرِيَّةِ.
إلى آخر تلك النصوص التى تضع خطوطآ فاصلة بين الممارســـــــــــات والفكر الوثنى والممارسات والفكر المسيحى.
ولم
يكن السعى لإيجاد مثل هذه الصيغ التوافقية فيما يخص شكل بيوت العبــــادة - التى كانت فيما قبل معابدآ وثنية بإستثناء القليل منها - ولا على الزى الذى كان يلبسه رجال الدين المسيحى - الذين كانوا يختفون وسط العامة بملابس عادية لئلا يلفتوا إليهم الأنظار وقت الأضطهاد - فصارت أزيائهم هى ملابس الأمراء وإختص كبيرهم بإرتداء زى الأمبراطور ، لكن لم تقف الصيغ التوافقية عند هذا الحد بل تعدت تلك الحـــــــــدود لمحاولة الدمج بين الأفكار الفلسفية الناشئة فى مختلف الأديان المنتشرة فى أنحـــــــاء الإمبراطورية مثل فكرة التقشف والزهد والتبتل والرهبنة التى كانت شائعة فى الشـرق الأقصى ووردت للشرق الأوسط فى ظل الحضارة الهيلينستية فى فترة نشوء المسيحية ، ومعها كان الإحتفال المادى بالأعياد البديلة للأعياد والمواسم الوثنية التى كـــــــــانت تتبناها مختلف المجتمعات.
الأشكاليات بسبب تحديد موعد لعيد الميلاد : -
على سبيل المثال فأنك لو عدت لموقع الويكبيديا للبحث عن تاريخ عيد الميلاد للمسيحيين فسوف تجد ما يلى : 

 http://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B9%D9%8A%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D9%84%D8%A7%D8%AFعيد الميلاد يُعتبر ثاني أهم الأعياد المسيحية على الإطلاق بعد عيد القيامة، ويُمثل تذكار ميلاد يسوع المسيح وذلك بدءًا من ليلة 24 ديسمبر ونهار 25 ديسمبر في التقويمين الغريغوري واليولياني غير أنه وبنتيجة اختلاف التقويمين ثلاث عشر يومًـــا يقع العيد لدى الكنائس التي تتبع التقويم اليولياني عشية 6 يناير ونهار 7 يناير. ورغـم أن الكتاب المقدس لا يذكر تاريخ أو موعد ميلاد يسوع فإن آباء الكنيسة قد حددوا ومنذ مجمع نيقية عام 325 الموعد بهذا التاريخ، كذلك فقد درج التقليد الكنسي على اعتباره في منتصف الليل، وقد ذكر إنجيل الطفولة ليعقوب المنحول في القرن الثالث الحــــــدث على أنه قد تم في منتصف الليل، على أن البابا بيوس الحادي عشر في الكنيـــــــــــسة الكاثوليكية قد ثبّت عام 1921 الحدث على أنه في منتصف الليل رسميًا؛ يذكر أيضًا، أنه قبل المسيحية كان يوم 25 ديسمبر عيدًا وثنيًا لتكريم الشمس، ومع عدم التمــــــكن من تحديد موعد دقيق لمولد يسوع حدد آباء الكنيسة عيد الشمس كموعد الذكـــــرى، رمزًا لكون المسيح "شمس العهد الجديد" و"نور العالم".
وبناءآ على ما سبق تجد أن عيد الميلاد كان بديلآ لعيد تكريم الشمس لدى الوثنيين.
وأن الأفكار الواردة فى الكتابات الأبوكريفية التى رفضتها الكنيسة فيما مضــــــى ، مثل "إنجيل الطفولة " الذى كتبه شخص إسمه يعقوب ، كانت من بين الأســـس التى إستند إليها المحددون لتوقيت هذا الأحتفال.
وأن مجمع نيقية كان هو الأساس الذى بنى على أساسه إبراز أهمية الإحــــــــتفال بعيد الميلاد .
الميلاد كتابيآ وكنسيآ :-
والذى يعود للكتاب المقدس محاولآ أن يجد تأريخآ دقيقآ لعيد الميلاد ، أو اليــــــوم الذى حدثت فيه واقعة الميلاد ،
سوف يعود ببحثه خالى الوفاض لسببين :-
أولهما : أن فكرة الكتاب عن ولادة المسيح لم تكن تعنى بهذه الحادثة فى حد ذاتهـــا إلا من قبيل إبراز التجسد الكامل للمسيح الذى يؤهله للقيام بعمل الفداء نيابة عن البشرية ، وبناءآ عليه فقد كان إهتمام الكتاب هو بالفداء أكثر من الحديث عن ميلاده ، وهذا ما نلاحظه فى الإنجيل بحسب البشير مرقس الذى أهمل تمامآ أى حديث بخصوص الميلاد ، كذلك كان الحال ذاته فى الأنجيل بحسب البشير يوحنا .
أما الإنجيل بحسب البشير متى فقد إهتم بذكر تلك الحادثة ، ولكن كان منطلق إهتمامه بهذه الحادثة  ليس فى تأريخ يوم حدوثها ، ولكن فى تأكيد حدوثها وسط المجتــــــمع اليهودى التقليدى الذى كان يعول أفكاره أساسآ على أقوال الأنبياء بخصوص المـسيا وتأكيد إنحداره من بيت داود ومن سبط يهوذا ، وهذا ما كان يتوافر فى شخصــــــــية المولود المدعو بين اليهود وفقآ للنظام الشرعى المعمول به بينهم ( التبنى وشريعــة الولى ) ليكون فى المولود هذه المؤهلات التى تجعل منه مسيا . وكذلك كان الحال فى الإنجيل بحسب البشير لوقا الذى إهتم لجانب ذلك أن يذكر كيف كان هذا مع ما تهيأ له من مؤهلات شرعية للقيام بتلك المهمة أنه كان مواطنآ رومانيآ من أبناء المستعمرات

، تتوفر فيه الشخصية القانونية اللازم توافرها للمصلحين من الفلاسفة ، وذلك لأنـــه كان يوجه كتابه إلى "ثاوفيلس" الموكل له الحكم على بولس الرسول حكمآ أولـــــــيآ إسترشاديآ فى قضية محاكمة بولس الرسول أمام قيصر روما .
ثانيهما : أن الفقراء فى ذلك الحين لم يكن هناك تأريخآ منضبطآ لواقعات المـــيلاد التى تحدث لأطفالهم على خلاف ما كان متبعآ عند الملوك وأبنائهم فقد كان تأريخ ميــــــــلاد هؤلاء يتم تقديريآ بحساب نسبة حدوث هذا الميلاد للأحداث المحلية المعتادة ، كأن يقال بأن فلانآ وُلِدَ بعد تولى الأمبراطورفلان السلطة بموسمين أو ثلاثة ....ألخ من مواســـم الزراعات المحلية ، أو المناسبات القومية ، ولذلك كان حديث البشير لوقــــــا الذى كان يحاول أن يجعل من كتابته مستندآ قانونيآ مناسبآ لعرضه على قاض بأنه فـــــــــــى أيام هيرودس الملك تمت البشرى بميلاد يوحنا  ( لوقا 1 : 5 )
5كَانَ فِي أَيَّامِ هِيرُودُسَ مَلِكِ الْيَهُودِيَّةِ كَاهِنٌ اسْمُهُ زَكَرِيَّا مِنْ فِرْقَةِ أَبِيَّا، وَامْرَأَتُهُ مِنْ....ألخ (هيرودس الكبير 37 - 4 ق . م )  وفى الشهرالسادس لتلك البشارة تمت بشارة العذراء ( لوقا 1 : 26 - 28 ) 26وَفِي الشَّهْرِ السَّادِسِ أُرْسِلَ جِبْرَائِيلُ الْمَلاَكُ مِنَ اللهِ إِلَى مَدِينَةٍ مِنَ الْجَلِيلِ اسْمُـــــــــهَا نَاصِرَةُ، 27إِلَى عَذْرَاءَ مَخْطُوبَةٍ لِرَجُل مِنْ بَيْتِ دَاوُدَ اسْمُهُ يُوسُفُ. وَاسْمُ الْعَذْرَاءِ مَرْيَمُ. 28فَدَخَلَ إِلَيْهَا الْمَلاَكُ وَقَالَ:«سَلاَمٌ لَكِ أَيَّتُهَا الْمُنْعَمُ عَلَيْهَا! اَلرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْــــتِ فِي النِّسَاءِ».وأن فى أيام مولده كانت هناك أحداث مميزة ( لوقا 2 : 1 ، 2 ) 1وَفِي تِـــــلْكَ الأَيَّامِ صَدَرَ أَمْرٌ مِنْ أُوغُسْطُسَ قَيْصَرَ ( أوغسطس قيصر من عام 27 ق . م حتى 14 م ) بِأَنْ يُكْتَتَبَ كُلُّ الْمَسْكُونَةِ. 2وَهذَا الاكْتِتَابُ الأَوَّلُ جَرَى إِذْ كَانَ كِيرِينِيُوسُ وَالِيَ سُورِيَّةَ ( كيرنيوس تولى سوريا من عام 3 ق . م حتى عام 3 \ 4 م ). وأن الأعوام التى تلـــت مولده كانت على ما يظن مرتبطة بالتأريخ الرسمى المعمول به فى الأمبراطــــــــــورية بإعتباره ( بحسب لوقا 3 : 1 ) 1وَفِي السَّنَةِ الْخَامِسَةِ عَشْرَةَ مِنْ سَلْطَنَةِ طِيبَارِيُـــــوسَ قَيْصَرَ ( 14 م حتى 37 م أى سنة 28 م تقريبآ  ) ، إِذْ كَانَ بِيلاَطُسُ الْبُنْطِيُّ وَالِـــيًا عَلَى الْيَهُودِيَّةِ ( 26 م حتى 36 م وهذا يتفق مع حدوث الحادثة أثناء سلطنة طيبـــــــاريوس قيصر) ، وَهِيرُودُسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الْجَلِيلِ ( 4 ق . م حتى 39 م وهذا يثبت نفـــــــس التقدير السالف الذكر ) ، وَفِيلُبُّسُ أَخُوهُ (  4 ق . م حتى 34 م وهو تاريخ متفق كذلــك مع هذا التأريخ السابق )  رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى إِيطُورِيَّةَ وَكُورَةِ تَرَاخُونِيتِسَ، وَلِيسَـــانِيُوسُ رَئِيسَ رُبْعٍ عَلَى الأَبِلِيَّةِ، 2فِي أَيَّامِ رَئِيسِ الْكَهَنَةِ حَنَّانَ وَقَيَافَا، كَانَتْ كَلِمَةُ اللهِ عَلَى يُوحَنَّا بْنِ زَكَرِيَّا فِي الْبَرِّيَّةِ، وهو على ما يبدو من النص أن يوحنا المُعَمِــــــد كان قد وصل إلى طور الشباب أى حوالى الثلاثين عامآ أكثر أو أقل حوالى عام 28 م  وهو فى ذلك الوقت يؤرخ ميلاده بقرب موعد ولادة المسيح حيث أنه يكبره بستة أشهر فقط مما يجـــعل من المسيح فى ذلك الوقت قد وصل لطور الشباب كذلك.
هذا السن المقدر للشباب الذى كان عليه يوحنا المعمدان ( 28 سنه ) ومن ثم المـــسيح جعل هناك تناقضآ مع التقليد الذى يصف سن المسيح فى تلك الأثناء بأنه كان قد بلـــــغ الثلاثين عامآ عند معموديته من يوحنا مما يوقع كل من يعتمد على الأناجيل فى التأريخ فى مشكلة لا حل لها إلا بإرجاع سن ولادة المسيح لتاريخ سابق على عام 1 م مما دعا بعض الباحثين مثل جولدنهويز
J.N.G " The Late J.N.Geldenhuys" ( his article " Jesus Christ , Life of " N.E.B ), pp 620 - 631 .
بإعتبار تاريخ حياة المسيح منذ ولادته حتى صلبه وقيامته من عام 4\6 ق . م حتى عام 30 م مستندآ بذلك على تلك النصوص الواردة فى كتابات يوســــــــــــــــــــــــــــــيفوس ( Ant.XVIII,3.3) وكذلك إعتمادآ ومقابلة بكافة كتابات المؤرخون الرومان مثل :-بلينى وتاسيتوس وسونونيـــــــــــــوس (Tacitus , AnalsXV.44 ; Suetonius, Claudius 25,Nero 16 , Pliny. Epieles X.96  ) .
 أما" د. ج أوج " فهو يرجع ذلك التاريخ ليكون واقعآ بين عامى 7 ، 8 ق. م حتى عام 33 م . ( G.Ogg, ( his article " Chronolgy of N . T  in the N. B. D  pp 223 - 228 ) .
فتاريخ مولده وفقآ لكل ما سبق يمكن أن يكون بين عام 8 ق . م حتى عام 1 م تقريبآ ، فكم بالحرى تكون صعوبة تحديد موعد يوم ولادته ؟ .
وبمزيد من محاولة التتبع منا لمحاولة إكتشاف تاريخ يوم ولادته نلاحظ النص الوارد فى الإنجيل بحسب البشير لوقا ( الذى نصفه بمحاولة الوصول للدقة الكافية على نحو ما يجب أن يتوفر فى المستندات القانونية ) حيث يحدد هذا اليوم على فم الملاك الذى ظهر للرعاة فى لوقا 2 : 11 والنص الذى يقع هذا التحديد فى سياقه هو من عدد 8 حتى عدد 20 وهو كما يلى :

8وَكَانَ فِي تِلْكَ الْكُورَةِ رُعَاةٌ مُتَبَدِّينَ يَحْرُسُونَ حِرَاسَاتِ اللَّيْلِ عَلَى رَعِيَّتِهِمْ، 9وَإِذَا مَلاَكُ الرَّبِّ وَقَفَ بِهِمْ، وَمَجْدُ الرَّبِّ أَضَاءَ حَوْلَهُمْ، فَخَافُوا خَوْفًا عَظِيمًا. 10فَقَالَ لَهُمُ الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَافُوا! فَهَا أَنَا أُبَشِّرُكُمْ بِفَرَحٍ عَظِيمٍ يَكُونُ لِجَمِيعِ الشَّعْبِ: 11أَنَّهُ وُلِدَ لَكُمُ الْيَوْمَ فِي مَدِينَةِ دَاوُدَ مُخَلِّصٌ هُوَ الْمَسِيحُ الرَّبُّ. 12وَهذِهِ لَكُمُ الْعَلاَمَةُ: تَجِدُونَ طِفْلاً مُقَمَّطًا مُضْجَعًا فِي مِذْوَدٍ». 13وَظَهَرَ بَغْتَةً مَعَ الْمَلاَكِ جُمْهُورٌ مِنَ الْجُنْدِ السَّمَاوِيِّ مُسَبِّحِينَ اللهَ وَقَائِلِينَ: 14«الْمَجْدُ للهِ فِي الأَعَالِي، وَعَلَى الأَرْضِ السَّلاَمُ، وَبِالنَّاسِ الْمَسَرَّةُ».
15وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». 16فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ. 17فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. 18وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ. 19وَأَمَّا مَرْيَمُ فَكَانَتْ تَحْفَظُ جَمِيعَ هذَا الْكَلاَمِ مُتَفَكِّرَةً بِهِ فِي قَلْبِهَا. 20ثُمَّ رَجَعَ الرُّعَاةُ وَهُمْ يُمَجِّدُونَ اللهَ وَيُسَبِّحُونَهُ عَلَى كُلِّ مَا سَمِعُوهُ وَرَأَوْهُ كَمَا قِيلَ لَهُمْ.
ومن هذا النص نتمكن من إكتشاف أن ذلك اليوم الذى حدثت فيه تلك البشارة كان هو يوم الميلاد ذاته ( راجع عدد 11 ) وأن ذلك اليوم كان الرعاة متبدين ( أى فى البيداء أو الصحراء ) ( راجع عدد 8 ) .
ولم يكن يتسنى للرعاة ترك بيوتهم والذهاب بغنمهم للرعى فى المراعى الصحراوية فى فصل الشتاء ، وسط الطقس القارص الذى يسود الصحراء الفلسطينية فى وقت الشتاء وربما كانت تلك الإستحالة تمتد من أواخر الخريف حتى بدايات فصل الربيع .
 وبناءآ عليه فقد كان الموعد هو من أواخر الربيع وفصل الصيف حتى أوائل فصل الخريف وهى مدة طويلة من شهر أبريل حتى شهرسبتمبر .
هذا الغياب للأغنام ووجودها فى البيداء يفسر إمكانية عثور" يوسف " على مكان لولادة العذراء للمسيح  وأقامتها أثناء التعداد الذى صعـّـبَ معه وجود مكان لإقامتهم بسبب التزاحم إلا فى المزود
( والمزود هو مكان حفظ وتخزين التبن والحبوب اللازمة لتربية الأغنام وليس حظيرة المواشى والأغنام كما يصورها الرسامون ) فقد كان يخلو من المواشى والأغنام ويمكن أعداده للأقامة فى ظل هذه الظروف المفاجئة .
ومن هنا نتعرف على المبالغة الفنية المتوارثة بخصوص ولادة المسيح فى المزود حيث دأب الفنانون على تصوير أغنام ومواشى تحيط به ، وكأن هذه الحيوانات كانت متواجدة فى ذلك الحين بينما ينفى الأنجيل وجودها إستنادآ على هذا النص .
إن التواجد فى بيت لحم وقت الميلاد كانت له ضرورة قانونية حيث كانت بيت لحم مدينة " داود الملك " الذى ينحدر من نسله كلآ من العذراء ويوسف النجار ، وكان هذا واردآ فى الأمر الذى صدر من أوغسطس قيصر أن يتم الإكتتاب عن طريق عودة كل المواطنين إلى قراهم ومدنهم الأصلية لضمان دقة التعداد الذى أراد القيام به .
هذا التعداد قد يكون هو الحكم الفصل فى تحديد عام الميلاد الذى ولد فيه المسيح .
لقد كان معروفآ عن أوغسطس قيصر أنه كان يجرى إكتتابآ فى الأمبراطورية الرومانية مرة كل عشرة سنوات فقد تولى الحكم عام 14 ق . م حيث أجرى أول تعداد 13 ق . م ثم تلاه بتعداد عام 3 ق . م ثم تعداد عام 7 م ثم تعداد عام 17 م ولم يمتد به العــــــــــمر للتعداد التالى حيث توفى عام 27 م نفس العام الذى كان مقررآ فيه التعداد .
بينما عاصر كيرنيوس والى سوريا ذلك التعداد الذى تم عام 3 ق . م حيث كان واليــــــآ على سوريا
من عام 3 ق . م حتى عام 3\4 م ثم إنقطعت ولايته لسوريا بولاية أرمينـية حيث عاد ليشهد التعداد الذى تم عام 17 م فقد كان واليآ على سوريا من عام 15 م حتى عام 21 م فى ولاية ثانية له .
والنص الموجود فى الإنجيل بحسب البشير لوقا ( على نحو ما تقدم ) يشير فى 2 : 2 إلى الأكتتاب الذى حدث أثناء ولادة المسيح بإعتبار أنه التعداد أو الإكتتاب الأول الذى جرى إذ كان كيرنيوس واليآ على سوريا ،
ومن الطبيعى أنه يشير إلى التــــــعداد الأول الذى حضره كيرنيوس فى ولايته وليس الإكتتاب الأول فى أيام حكم أوغسطوس قيصر على الإطلاق وبذلك فهو يشير إلى عام 3 ق . م وهو العام الذى ولد فيه المســـــــــــيح تأسيسآ على المعلومات الواردة فى الأنجيل بحسب البشير لوقا .
وبناءآ عليه نستخلص مما سبق أن المسيح ولد عام 3 ق. م الموافق عام 447 رومانية وليس عام 450 رومانية التى إعتبرت العام الأول الميلادى بموجب مجمع نيقية والـذى صار أساسآ لحساب التقويم الميلادى .
وأن يوم ميلاده كان محصورآ بين شهر أبريل وشهر سبتمبر فى ذلك العام .

فماذا عن أهمية الأحتفالية بالميلاد ؟ .

مدى أهمية الأعتداد بأحتفالية الميلاد كنسيآ : -
من بين الأمور التى إهتم مجمع نيقية لأرسائها هو وضع نظام دقيق للعبادة فى الكنيسة تتوفر فيه عدة شروط كان من أهمها عدم أعطاء فرصة للأفكار الهرطوقية من الإنتشار والإنتقال للبسطاء من عامة الشعب بواسطة الترانيم التى كانت وسيلة فعالة من خـــلال حفظها بواسطة الأميين الذين لا يجيدون القراءة ولا الكتابة لمطالعة الأسفار المقدســة والتعلم منها ، وكان آريوس المهرطق الذى أدانه مجمع نيقية محترف لنظم التـــــرانيم التى تنشر أفكاره ، فعمد أثناسيوس ألى أغريغوريوس وباسيليوس وكيرلس وهـــم من أشهر المرنمين فى ذلك الوقت ، لوضع نظام دقيق يخلو من الترانيم الهرطوقية ، بحيث يحفظه الشعب ولا يعتمدون غيره ، ومن هنا نشأ القداس الباسيلى والغريغـــــــــــــورى والكيرلسى .
وإحتوى نظام العبادة على فقرات تتخلل سياق القداس ( ومعنى كلمة قداس فى الأصـــل أى حفلة ) تلك الفقرات كانت قراءات متناثرة من الكتب المقدسة فى العهد الجــــديد من رسائل بولس الرسول " البولس " ومن الرسائل الجامعة " الكاثوليكون " ومن ســفر الأعمال " الأبركسيس " ومن الأنجيل " أنجيل " ولم يبق فى العهد الجديد سوى سفـر الرؤيا أى" أبوغالمسيس " الذى
حدد له وقت لقراءته مكتملآ.. وكانت المزامـــــير فى كتب الصلوات وفى صلوات عشية ( أى الإستعداد السابق على إقامة القداس عند حلول موعد العشاء السابق عليه ) وفى صلوات باكر التى تردد بواسطة الأفراد داخل وخارج الكنيسة .

وكانت السنة الرومانية التى تم إستبدالها بإعتبارها تقويمآ ميلاديآ تبدأ بشـــــــهر يناير حيث كانت بداءة القراءات من الأناجيل ، هذه البدايات كما سبق وعرفنا تحــــــتوى فى الإنجيل بحسب البشير متى والإنجيل بحسب البشير لوقا على أحداث الميــــلاد ، وحتى بدايات الإنجيل بحسب البشير يوحنا وبحسب البشير مرقس يمكن إعتبار أعدادآ قليــلة منها تخدم هذا السياق ، حتى وإن كانت لا تشير إليه إشارة ظاهرة ، مما جعل بدايـــــة العام مرشحة بإمتياز لتذكر أحداث الميلاد ، دون الخوض فى مدى مطابقة ذلك التوقيت للموعد الفعلى للميلاد بأعتبار تقديم أهمية التعليم الروحى للكتاب المقدس ، على نحــوٍ من التسلسل التاريخى الملائم لتوصيل تلك التعاليم الروحية لذهن المتلقى من المتعبدين مهما كانت ثقافته .
وبحدوث الفروق بين التقويم الجريجورى واليوليانى عامآ بعد عام كانت هناك فــــروق بين النقص فى تقويم يقابله زيادة فى تقويم آخر فى تحديد الأيام التى تتم فيها تناول تلك الأجزاء الخاصة بذكرى الميلاد .
والظاهر اليوم أن أهمية ذكرى الميلاد تكمن فى تذكر التجسد الكامل للمسيح كمــــــؤهل وسند شرعى لإتمام الفداء    فيلبى 2 : 5 - 8 : -
 5فَلْيَكُنْ فِيكُمْ هذَا الْفِكْرُ الَّــــــــذِي فِي الْمَسِيحِ يَسُوعَ أَيْضًا: 6الَّذِي إِذْ كَانَ فِي صُورَةِ اللهِ، لَمْ يَحْسِبْ خُلْسَةً أَنْ يَكُونَ مُعَادِلاً ِللهِ. 7لكِنَّهُ أَخْلَى نَفْسَهُ، آخِذًا صُورَةَ عَبْدٍ، صَائِرًا فِي شِبْهِ النَّاسِ. 8وَإِذْ وُجِدَ فِي الْهَيْــــــــــئَةِ كَإِنْسَانٍ ، وَضَعَ نَفْسَهُ وَأَطَاعَ حَتَّى الْمَوْتَ مَوْتَ الصَّلِيبِ.
هذا النص الذى يعتبر صيغة إيمانية ( قانون للإيمان ) أولى مبنى على النبوات الواردة فى كتب الأنبياء داود فى سفر المزامير 22 :  6
وأشعياء 53 : 3  ودانيال 9 : 29 وأشعياء 42 : 1 وحزقيال 34 : 23 و زكريا 34 : 8 .
وفى تيموثاوس الأولى 3 : 16 : -

16وَبِالإِجْمَاعِ عَظِيمٌ هُوَ سِرُّ التَّقْوَى: اللهُ ظَهَرَ فِي الْجَسَدِ، تَبَرَّرَ فِي الرُّوحِ، تَرَاءَى لِمَلاَئِكَةٍ، كُرِزَ بِهِ بَيْنَ الأُمَمِ، أُومِنَ بِهِ فِي الْعَالَمِ، رُفِعَ فِي الْمَجْدِ.وهى صيغة إيمانية أولية كذلك مبنية على ما جاء فى متى 3 : 16 ورومية 1 : 4  ويوحنا 1 : 14 ويوحنا الأولى 1 : 2 وأعمال الرسل 10 : 34 و رومية 10 : 18 وكولوسى 1: 6 ، 23 ولوقا 24 : 51 .
وفى الإنجيل بحسب البشير متى 1 : 22 ، 23 : -  22وَهذَا كُلُّهُ كَانَ لِكَيْ يَتِمَّ مَا قِيلَ مِنَ الرَّبِّ بِالنَّبِيِّ الْقَائِلِ: 23«هُوَذَا الْعَذْرَاءُ تَحْبَلُ وَتَلِدُ ابْنًا، وَيَدْعُونَ اسْمَهُ عِمَّانُوئِيـــلَ» الَّذِي تَفْسِيرُهُ: اَللهُ مَعَنَا.وهو نفس نص النبوة الواردة فى أشعياء 7: 14 وفى نفس الأنجيل 2 :3 - 6  : -
 3فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ. 4فَجَمَعَ كُلَّ رُؤَسَاءِ الْكَهَنَةِ وَكَتَبَةِ الشَّعْب، وَسَأَلَهُمْ:«أَيْنَ يُولَدُ الْمَسِيحُ؟» 5فَقَالُوا لَهُ:«فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: 6وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».وهى نبوة وردت فى نبوة ميخا 5 : 2 ومزمور 132 : 11 .
وفى الأنجيل بحسب البشير لوقا 1 : 30 - 33 : - 30فَقَالَ لَهَا الْمَلاَكُ:«لاَ تَخَـــــــافِي يَا مَرْيَمُ، لأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. 31وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمِّينَهُ يَسُوعَ. 32هذَا يَكُونُ عَظِيمًا، وَابْنَ الْعَلِيِّ يُدْعَى، وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ، 33وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».تتميمآ للنبوة التى فى أشعياء 7 : 14  ومزمور 132 : 11 وأشعياء 9 :6 ، 7 وأرميا 23 : 5 .وفى غلاطية 4 : 4 - 6 : -  4وَلكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُــــــــــــــــودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، 5لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ. 6ثُمَّ بِمَا أَنَّكُمْ أَبْنَاءٌ، أَرْسَــــــلَ اللهُ رُوحَ ابْنِهِ إِلَى قُلُوبِكُمْ صَارِخًا:«يَا أَبَا الآبُ». تتميمآ للنبوة تكوين 49 : 10 و تكوين 3 : 15 و أشعياء 7 : 14 . مما سبق يتضح بجلاء ووضوح مدى أهمية تذكر المــــيلاد فى عقيدة وفكر الكتاب المقدس حيث يكون الميلاد هو اللبنة الأولى لعقيدة التـــــــــــــجسد والوسيلة التى تؤدى للفداء والبرهان الذى يثبت محبة الله للجنس البشرى حيث يــقول فى يوحنا 3 : 16 : - 16لأَنَّهُ هكَذَا أَحَبَّ اللهُ الْعَالَمَ حَتَّى بَذَلَ ابْنَهُ الْوَحِيدَ، لِكَيْ لاَ يَهْلِكَ كُلُّ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ، بَلْ تَكُونُ لَهُ الْحَيَاةُ الأَبَدِيَّةُ. أن الله وقد سبق له أن أعطى فرصة للإنســـان حتى يوصل الإنسان مثله لمعرفة فكر الله ، وقد أبلى الإنسان فى سبيل ذلك بلاءآ حسنــآ يتمثل فى شهادات الأنبياء والرسل السابقين على ميلاد المسيح ، بيد أن هذا الجــــــــهد البشرى الذى كان مدعومآ بواسطة الله بإختيار أولئك للنبوة وتزويدهم بفكره الذى يريد أن يرسيه بين البشر ، ولكن مع هذا الجهد البشرى الملازم لفكر الله ، لم يتمكن الإنسان من إظهار الله بصورة أكثر نقاءآ تتطابق تمامآ مع حقيقة الله المحب والقريب للبــــــشر بسبب محدودية إدراك الإنسان وعدم قدرته أحيانآ ،  لذلك كان التجــــــــسد هو الوسيلة الوحيدة التى تؤدى إلى هذا الغرض من خلال الميلاد لذلك نجد النص يطــــــــــــالعنا فى عبرانيين 1 : 1 - 4 .
 1اَللهُ، بَعْدَ مَا كَلَّمَ الآبَاءَ بِالأَنْبِيَاءِ قَدِيمًا، بِأَنْوَاعٍ وَطُرُق كَثِيرَةٍ، 2كَلَّمَنَا فِي هذِهِ الأَيَّامِ الأَخِيرَةِ فِي ابْنِهِ، الَّذِي جَعَلَهُ وَارِثًا لِكُلِّ شَيْءٍ، الَّذِي بِهِ أَيْضًا عَمِلَ الْعَالَمِينَ، 3الَّذِي، وَهُوَ بَهَاءُ مَجْدِهِ، وَرَسْمُ جَوْهَرِهِ، وَحَامِلٌ كُلَّ الأَشْيَاءِ بِكَلِمَةِ قُدْرَتِهِ، بَعْدَ مَا صَنَعَ بِنَفْسِهِ تَطْهِيرًا لِخَطَايَانَا، جَلَسَ فِي يَمِينِ الْعَظَمَةِ فِي الأَعَالِي، 4صَائِرًا أَعْظَمَ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ بِمِقْدَارِ مَا وَرِثَ اسْمًا أَفْضَلَ مِنْهُمْ.
وهذا النص يتفق مع ما ورد فى سفر العدد 12 : 6 وأفسس 1 : 10 ويوحنا 1 : 17 ومزمور45 : 6 ، 7 ويوحنا 1 : 14 ويوحنا 1 : 4 ورؤيا 4 : 11 .
وهكذا تبرز أهمية حادثة الميلاد .
ذكرى الميلاد والتقاليد المصاحبة لها فى المجتمع الكنسى :-
صاحب وواكب تذكر حادثة الميلاد فى الكنيسة عبر العصور عدة مظــــــــاهر ، هى فى جملتها لا تعبر عن فكر الكتاب المقدس ولا عقيدة المسيحيين ، ولكنها ذات أغـــــراض إجتماعية تؤدى لهدف روحى فى النهاية ، ومن بين تلك المظاهر ما شاع فى المجتمع الغربى عن " بابا نويل " أو " سانتا كلوز "بخصوص تلك الهدايا التى يوزعـــها من يتقمص تلك الشخصية على الأطفال ، تلك الهدايا التى كانت عند نشأة فكرة هـــــــــــذه الشخصية تخص حاجة أطفال الفقراء المادية لشراء الملابس والهدايا مثل الأطفــــــال الأغنياء ، وكانت شخصية " بابا نويل " هى المخرج الأجتماعى الأسطورى لوفــــــاء الكنيسة برغبتها فى التعاطف مع هؤلاء الأطفال الفقراء ، ولكن بعد وصول المجتمــــع الغربى لمستوى مادى جعل من الفئات الشديدة الأحتياج على هذا النحو نادرة ، وذلـــك فى ظل الأنظمة الإقتصادية التى تكفل التأمين المناسب للمواطنين ، مما تحولت معـــــه فكرة " بابا نويل " لتكون من قبيل الترف الترفيهى للمجتمع المسيحى فى الغرب ، فى الوقت الذى أبتدأ المسيحيون فى الشرق فى تبنى هذه المظاهر الفولكلوريــــــــــة دون الخوض فى أسباب نشوئها كظاهرة .
وكان من النتائج التى ترتبت على تحديد موعد عيد الميلاد بواسطة مجمع نيقـــــية فى بداية السنة أن صارت هذه الذكرى تواكب فصل الشتاء بما فيه من برودة على النـــحو الذى أوحى للفنانين بتصوير طبقات الجليد وهى تنساب من بين الأشجار والنيران التى تشعل بهذه المناسبة .
ويقول المقريزى فى القرن الحادى عشر واصفآ الأحتفال بعيد الميلاد

"وأدركنا الميلاد بالقاهرة ومصر وسائر أقاليم مصر، موسماً جليلاً، تُباع فيه الشموع المزهرة بالأصباغ الجميلة والتماثيل البديعة بألوان لا تنحصر، فلا يبقى أحد من الناس أعلاهم وأدناهم حتى يشترى من ذلك لأولاده وأهله، وكانوا يسمونها الفوانيس، ويعلقونها في الأسواق والحوانيت.. . شيئا يخرج من الحد في الكثرة والملاحة.. ويتنافس الناس في أثمانها، حتى لقد أدركت شمعة عُمِلَت فبلغ مصروفها ألف درهم وخمسمائة درهم فضة، عليها ما يزيد عن سبعين مثقالاً من الذهب".

وهكذا يروى الشيخ تقي الدين أحمد بن على المقريزي أنه شاهد مما كان يرى ويرصد، فيقول أيضاً:
"وأعرف السؤال في الطرقات أيام هذه المواسم، وهم يسألون الله أن يتصدق عليهم بفانوس، فيشترى لهم من صغار الفوانيس ما يبلغ ثمنه الدرهم وما حوله.. ثم لما اختلَّت أمور مصر، كان من جملة ما ظل من عوايد الترف عمل الفوانيس في الميلاد إلا قليلاً.
وأما فى الغرب فقد كانت شجرة الكريسماس ولا تزال من أهم مظاهر الإحتــــــــــــــــفال المجتمعى ( وليس الدينى كما يتوهم غير المسيحيون ) وهى فى العادة تتكون من فــرع كبير أو عدة أفرع أو شجرة من الأشجار الدائمة الأخضرار فى نصف الكرة الغربــــــــى الشمالى من مجموعة الأشجار الصنوبرية أو الإبرية يزينونها بألعاب ولمبات ( راجـــع إستخدام الفوانيس والشموع عند أقباط مصر بحسب وصف المقريزى ) ، وتعود فكــرة الشجرة إلى أنه كان هناك مبشرآ راهبآ إسمه " سانت يونيفاس " وكان يعظ عظة عـن الميلاد لإحدى القبائل الجرمانية وهى قبيلة " درويدس " التى كانت تعيش فى بلــــــدة " جايسمر "وكان فى عظته يريد أقناع هؤلاء الوثنيين أن شجرة البلوط ليست مقدسة أو مصونة وقد كانوا يعبدونها فقام بقطع  أشجار البلوط التى كانت موجــــــودة فى تلك المنطقة التى كان يعظ بها ولم تبق هناك غير شجرة واحدة صغيرة قال عنــــــــــها ذلك المبشر أنها تمثل الحياة الوحيدة الباقية التى ترمز بإستمرارها فى الحياة للطفل يســوع الذى به وحده تظل الحياة مستمرة ، وبينما تقدم الجرمان فى الإيمان وأدركوا أن قيمتها لا تتعدى كونها مجرد رمز للتعليم ، ولكن شاع فى أوروبا منذ ذلك الحين إستـــــخدامها من بين الرموز التى تدل على الميلاد .
 والوقع أن المجتمعات الغربية صارت تنظر إليها على أساس أنها من بين مكملات ذلك الشكل الإحتفالى الفولكلورى .مع أن الكتاب المقدس لا يتحدث عن شجر للميلاد ولا عن "بابا نويل " ولا عن الشمع أو الفوانيس أو رقائق الثلج أو ميلاد المـــــسيح فى مغارة بها أغنام ، بل عن مولد بسيط فى مزود يخلو من الأغنام .
ولا تكفر المسيحية الفن أو تستهجنه لأنها ترى فيه وسيلة للرقى بذوق الإنســـــــــــان والسمو به نحو عالم من المثل الأنسانية التى تطبق الدين فى روحه ومعانيه السامية ،  وليس فى حرفيته .

د.ق.جوزيف المنشاوى