الاثنين، 31 مارس 2014

تأملات فى الصوم المسيحى

صيام الأربعين
خدعوك فقالوا : صيام الأربعين هو كما صام المسيح
وصدقت الخدعة وإنطلت عليك لأنك تنظر للصيام بنظرة الإستهانة فقد حولوه عبر العصور إلى نوع من أنواع تغيير أصناف الطعام ليس إلا
وبذلك هان عليك أن لا ترى فى صيام الرب إعجاز ومعجزة ، فأنت تتصور الصيام الذى صامه أنه من صنف هذا التبديل فى الأطعمة فلم تفطن لحدوث معجزة هى معجزة صيام الرب يسوع أربعين نهارآ وأربعين ليلة ، ويقول الكتاب فى لوقا 4 : 1 ، 2 "
1أَمَّا يَسُوعُ فَرَجَعَ مِنَ الأُرْدُنِّ مُمْتَلِئًا مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ، وَكَانَ يُقْتَادُ بِالرُّوحِ فِي الْبَرِّيَّةِ 2أَرْبَعِينَ يَوْمًا يُجَرَّبُ مِنْ إِبْلِيسَ. وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ. وَلَمَّا تَمَّتْ جَاعَ أَخِيرًا."
فهو لم يأكل شيئآ مطلقآ طيلة فترة الصيام ، والإمتناع عن الطعام يؤدى للإحساس بالجوع لأن النعدة تكون خاوية تمامآ فلا خبز جاف أو حاف ولا شربة ماء ، ثم هو يصرح بصريح العبارة بقوله "
وَلَمْ يَأْكُلْ شَيْئًا فِي تِلْكَ الأَيَّامِ "
الصيام فى اللغة هو الإمتناع عن الطعام والشراب مطلقآ لمدة زمنية معينة ، فالطعام الذى تتناوله بعد إستيقاظك من النوم ، سواء مباشرة أو بعد فترة زمنية هو: طعام الإفطار فما دمت قد أكلت فإنك لست بصائم ، هذا المعنى ليس فى اللغة العربية وحدها ، ولكن فى كل لغات العالم
breakfast طعام الإفطار = break= كسرتyour fasting  =صيامك
أيـــــآ كانت المادة التى تسببت فى كسر صيامك فهى إفطار
لكن معجزة صيام الرب يسوع أربعين نهارآ وأربعين ليلة ، ليست بالمعجزة الغير المسبوقة
فقد حدثت قبل ذلك عدة مرات بواسطة رجال الله الأتقياء ، لكن كان الله وراء كل تلك الحوادث ، بل أعطى لهؤلاء المقدرة على القيام بذلك لأجل هدف أسمى وهو تأييد رسالتهم أمام مجتمعاتهم بحدوث هذه المعجزة التى لا يتمكن أى إنسان عادى من الإتيان بها
فها هو "موسى" كليم الله
كان يكلم الله فى حوريب ........ ولكن !!!!!!!!!! لم يكن هناك من أفراد الشعب من يسمع الله معه
فكيف يصدق الشعب أن هناك قوة خارقة كانت تتعامل معه فى حوريب ؟؟
ولذلك يخبرنا فى سفر الخروج 34 : 27 ، 28 بما يلى : "
27وَقَالَ الرَّبُّ لِمُوسَى: «اكْتُبْ لِنَفْسِكَ هذِهِ الْكَلِمَاتِ، لأَنَّنِي بِحَسَبِ هذِهِ الْكَلِمَاتِ قَطَعْتُ عَهْدًا مَعَكَ وَمَعَ إِسْرَائِيلَ». 28وَكَانَ هُنَاكَ عِنْدَ الرَّبِّ أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً. فَكَتَبَ عَلَى اللَّوْحَيْنِ كَلِمَاتِ الْعَهْدِ، الْكَلِمَاتِ الْعَشَرَ."
كان صيامه هو من نفس نوع الصيام الذى صامه رب المجد " أَرْبَعِينَ نَهَارًا وَأَرْبَعِينَ لَيْلَةً، لَمْ يَأْكُلْ خُبْزًا وَلَمْ يَشْرَبْ مَاءً"
لم يكن صومه بهدف تحقيق رغبته فى القيام بممارسة روحية فريدة ، ولكنه وجد نفسه مـــــُلتزمآ بالبقاء أمام الله وكان الوقت يمر عليه والله يمنحه الإستمرارية فى الحياة لكى يستخدمه الله أمام شعبه بوصفه رجلآ صاحب رسالة جاءته من الله ، والبرهان على ذلك إستمراره فى الحياة حتى نهاية هذه الفترة الأربعينية
ويفسر الرب يسوع للشيطان تلك القدرة الفائقة بقوله فى لوقا 4 : 4 "3وَقَالَ لَهُ إِبْلِيسُ:«إِنْ كُنْتَ ابْنَ اللهِ، فَقُلْ لِهذَا الْحَجَرِ أَنْ يَصِيرَ خُبْزًا». 4فَأَجَابَهُ يَسُوعُ قِائِلاً:«مَكْتُوبٌ: أَنْ لَيْسَ بِالْخُبْزِ وَحْدَهُ يَحْيَا الإِنْسَانُ، بَلْ بِكُلِّ كَلِمَةٍ مِنَ اللهِ».
لقد حاول الشيطان أن يلقى بالوهم للشعب القديم بأن هناك طعامآ ما كان يتناوله أولئك العظماء الذين إستخدمهم الله ، حتى لو كان هذا الطعام ناتجآ من الحجارة .
لقد قام الشيطان بلوى ذراع الحقيقة من خلف النصوص الكتابية المقدسة تمامآ كما يفعل البعض عندما يبحثون عن ضالتهم لمحاولة إثبات أفكارهم البعيدة عن فكر الله ، فيبحثون عن آيات تتشابه ظاهريآ مع ما يقولون لمحاولة فرض أفكارهم البشرية ، فلقد قال الله على لسان "موسى" بلغة شعرية رقيقة سامية فى نشيده الوارد عن الأعمال المعجزية التى صنعها الله لشعبه أثناء عبوره لبرية سيناء فى سفر التثنية 32 : 13 ، 14 " 13أَرْكَبَهُ عَلَى مُرْتَفَعَاتِ الأَرْضِ فَأَكَلَ ثِمَارَ الصَّحْرَاءِ، وَأَرْضَعَهُ عَسَلاً مِنْ حَجَرٍ، وَزَيْتًا مِنْ صَوَّانِ الصَّخْرِ، 14وَزُبْدَةَ بَقَرٍ وَلَبَنَ غَنَمٍ، مَعَ شَحْمِ خِرَافٍ وَكِبَاشٍ أَوْلاَدِ بَاشَانَ، وَتُيُوسٍ مَعَ دَسَمِ لُبِّ الْحِنْطَةِ، وَدَمَ الْعِنَبِ شَرِبْتَهُ خَمْرًا."
كان قصد موسى من خلال الوحى التعبير عن عظمة لطف الله وتدبيره لإحتياجات شعبه بحيث هيأ لهم خيرآ وفيرآ من خلال النباتات الصحراوية وعسل النحل الذى كان يأوى للمغائر فى الجبال ومادة البربوليس الزيتية التى يفرزها النحل لسد الشقوق الموجودة فى الصخور والتى تمنع الحشرات من التهجم على خلاياه ، وقد كانت ولا تزال مادة من مواد العلاج للكثير من الأمراض خاصة الأمراض الجلدية ، والزبدة الناتجة من البقر والغنم والزيوت الموجودة فى جنين القمح وهى من المواد الفعالة فى بناء الخلايا للأطفال والشيوخ على حدِ سواء ، بالإضافة لعصير العنب (دم العنب) وفوائده العظيمة
لقد كانت لغة المجاز والتشبيه والإستعارة واضحة فى إنتقاء المفردات اللغوية بوصف هذا النص من النصوص الشعرية ، ذات الطابع الرومانسى أحيانآ رغم أنها كانت وحيآ سابقآ على إبداعات الشعراء المحدثين أصحاب المدارس الرومانسية للشعر وكان ذلك حوالى عام 1550 ق.م على لسان "موسى "
فعوضآ عن تأمل المؤمن فى عظمة وجلال هذا الكلام الصادر عن الوحى ، فإن الشيطان يرتد به إلى الخلف حتى يكون هذا النص معبرآ عن صناعة الله لخبز (حرفى) من حجارة (حرفيه) .
الصيام هو ممارسة حقيقية فى حياة المؤمن أشار إليها الرب يسوع فى قوله لتلاميذ يوحنا بخصوص الصيام فى متى 9 : 14 – 17 "14حِينَئِذٍ أَتَى إِلَيْهِ تَلاَمِيذُ يُوحَنَّا قَائِلِينَ:«لِمَاذَا نَصُومُ نَحْنُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ كَثِيرًا، وَأَمَّا تَلاَمِيذُكَ فَلاَ يَصُومُونَ؟» 15فَقَالَ لَهُمْ يَسُوعُ:«هَلْ يَسْتَطِيعُ بَنُو الْعُرْسِ أَنْ يَنُوحُوا مَا دَامَ الْعَرِيسُ مَعَهُمْ؟ وَلكِنْ سَتَأْتِي أَيَّامٌ حِينَ يُرْفَعُ الْعَرِيسُ عَنْهُمْ، فَحِينَئِذٍ يَصُومُونَ. 16لَيْسَ أَحَدٌ يَجْعَلُ رُقْعَةً مِنْ قِطْعَةٍ جَدِيدَةٍ عَلَى ثَوْب عَتِيق، لأَنَّ الْمِلْءَ يَأْخُذُ مِنَ الثَّوْبِ، فَيَصِيرُ الْخَرْقُ أَرْدَأَ. 17وَلاَ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق عَتِيقَةٍ، لِئَلاَّ تَنْشَقَّ الزِّقَاقُ، فَالْخَمْرُ تَنْصَبُّ وَالزِّقَاقُ تَتْلَفُ. بَلْ يَجْعَلُونَ خَمْرًا جَدِيدَةً فِي زِقَاق جَدِيدَةٍ فَتُحْفَظُ جَمِيعًا».

إذآ كان الرب يسوع لا يأمر تلاميذه بالصوم أثناء فترة وجوده معهم بالجسد ، وهذا هو ما دفع تلاميذ يوحنا لإنتقاده .
وكان رد الرب يسوع يفيد توقعه لصيامهم عندما يصعد إلى السموات من وسطهم
والواضح أن تكوين الكنيسة كمؤسسة متميزة ذات صفات فريدة وخاصة لم يحدث قبل إنشائها بعد حلول الروح القدس يوم الخمسين – أى بعد صعوده- إذآ كان الصيام من بين الأشياء التى إستجدت على تلاميذ الرب بعدما إنتهت فترة معايشتهم للرب يسوع جسديآ وبذلك كانوا يصومون بعدما إرتفع العريس عنهم
ولكن الرب يسوع يشرح الأمر تفصيلآ لتلاميذ يوحنا من خلال مثلين آخرين – ليس فقط بنو العرس الذين لا يصومون أثناء فترة إستعدادهم لإقامة حفل الزفاف – ولكن بمثلين آخرين
المثل الآخر هو : مثل الثوب العتيق المهترىء عندما يقوم أحدهم بترقيعه من خلال رقعة من قماش جديد  كثيف النسج ( الملء)  وهو بدون شك يشير إلى عهد قديم قريب للإنحلال ( راجع عبرانيين 8 :  )  10لأَنَّ هذَا هُوَ الْعَهْدُ الَّذِي أَعْهَدُهُ مَعَ بَيْتِ إِسْرَائِيلَ بَعْدَ تِلْكَ الأَيَّامِ، يَقُولُ الرَّبُّ: أَجْعَلُ نَوَامِيسِي فِي أَذْهَانِهِمْ، وَأَكْتُبُهَا عَلَى قُلُوبِهِمْ، وَأَنَا أَكُونُ لَهُمْ إِلهًا وَهُمْ يَكُونُونَ لِي شَعْبًا. 11وَلاَ يُعَلِّمُونَ كُلُّ وَاحِدٍ قَرِيبَهُ، وَكُلُّ وَاحِدٍ أَخَاهُ قَائِلاً: اعْرِفِ الرَّبَّ، لأَنَّ الْجَمِيعَ سَيَعْرِفُونَنِي مِنْ صَغِيرِهِمْ إِلَى كَبِيرِهِمْ. 12لأَنِّي أَكُونُ صَفُوحًا عَنْ آثَامِهِمْ، وَلاَ أَذْكُرُ خَطَايَاهُمْ وَتَعَدِّيَاتِهِمْ فِي مَا بَعْدُ». 13فَإِذْ قَالَ «جَدِيدًا» عَتَّقَ الأَوَّلَ. وَأَمَّا مَا عَتَقَ وَشَاخَ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الاضْمِحْلاَلِ "
الثوب العتيق هو الذى شاخ الذى هو قريب من الإضمحلال – كما يقول فى العبرانيين – بينما الجديد لا يستند على تعاليم من البشر أو بواسطتهم ولكن نواميس مكتوبة فى قلب كل واحد منهم ، فهم لا يحتاجون من يعلمهم ، بل صارت شريعة الله معروفة تمامآ لكل فرد فيهم ، وهكذا فهم قادرون على إدراك الوقت المناسب للصوم على خلاف ذلك النوع من الصوم الذى كان تلاميذ يوحنا يمارسونه من خلال أوامر يوحنا المعمدان
أما المثل الآخير فهو : الخمر العتيقة والخمر الجديدة ، وهو مثل لازم جدآ لأن معناه يؤدى لفهم جانب آخر فى الصوم لا يعكسه المثل السابق عليه
فالخمر لأنها مادة كحولية ذائبة فى سائل به نسبة معينة من الماء قد حافظت على سلامتها فلم تفسد طالمى حافظت على مكوناتها الطبيعية ، وبذلك تكون الآنية التى كانوا يستخمونها لحفظ تلك الخمر فيها قد تم تطهيرها من خلال بقايا الخمر العتيقة فى مسامها فقد كان الماء يتسرب تدريجيآ من خلال ثقوب الآنية الفخارية "الزقاق" التى كانوا يستخدمونها فى ذلك الوقت وهو مختلط بالمادة الكحولية 
ولذلك فهى تختلف فى تركيزها عن الخمر الجديدة
فإذا تم وضع الخمر الجيدة فى نفس الإناء يبدآ الفساد فى الحلول على مكونات الخمر التى إختلطت ببقايا الخمر العتيقة وبدآ الماء الموجود فى مكوناتها وهو لا يحمل التركيز الشديد للكحول ، والذى كان يمر من خلال نفس تلك المسام وبذلك يبدأ العفن يحل فى الإناء ثم يحل بالتالى بالخمر ، ولكن درجت العادة فى ذلك الوقت على إستخدام الخمر العتيق فى البداية أثناء حفلات العرس ، ذلك لأن لها طعم مـُـميز فاخر ، فإذا سكر المدعوين وطالبوا بالمزيد من الخمر ، فإن أصحاب العرس يأتون بالخمر الجديدة ليخلطوها بالبقية المتبقية من الخمر العتيقة لكى يتم شرابها بسرعة فى نفس الوقت قبل أن تفسد
فالمثل الآخير يتميز بأنه يضيف لعتصر مناسبة التوقيت للخلط بين ما هو قديم وما هو جديد لزمن معين ، يضيف عنصر آخر وهو إمكانية إفساد التعاليم الخاصة بالعهد الجديد عند وضعها فى إناء (قلب إنسان) تشبع بفكر العهد القديم
وهو بذلك لا يحرم ولا يجرم فكر العهد القديم ولكنه ينهى عن إستقبال فكر العهد الجديد بمنطق من تقبلوا فكر العهد القديم من قبل
فالممارسات التعبدية فى العهد القديم كانت صالحة تمامآ لشعب العهد القديم ومن بين تلك الممارسات كان الصيام ، وكانت تلك الممارسات تؤدى مهمتها بكفاءة فى زمنها ، ولكن فى العهد الجديد لا يجب أن يتعبد المؤمنين فيه من خلال نفس المنطلق الذى كان سائدآ لدى أفراد شعب العهد القديم
فقد حررنا الإبن وبالحقيقة صرنا أحرارآ لسنا نتعبد له كعبيد بل أبناء ، وليس من خلال بشر آخرين ، بل نتعامل معه مباشرة فقد صار الله أبآ لنا ولا نصوم ذلك الصوم ( الذى ينتج عن الزقاق العتيق) الذى إنتقده إشعياء فى نبوته 58 : 1 – 12 1«نَادِ بِصَوْتٍ عَال. لاَ تُمْسِكْ. اِرْفَعْ صَوْتَكَ كَبُوق وَأَخْبِرْ شَعْبِي بِتَعَدِّيهِمْ، وَبَيْتَ يَعْقُوبَ بِخَطَايَاهُمْ. 2وَإِيَّايَ يَطْلُبُونَ يَوْمًا فَيَوْمًا، وَيُسَرُّونَ بِمَعْرِفَةِ طُرُقِي كَأُمَّةٍ عَمِلَتْ بِرًّا، وَلَمْ تَتْرُكْ قَضَاءَ إِلهِهَا. يَسْأَلُونَنِي عَنْ أَحْكَامِ الْبِرِّ. يُسَرُّونَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَى اللهِ. 3يَقُولُونَ: لِمَاذَا صُمْنَا وَلَمْ تَنْظُرْ، ذَلَّلْنَا أَنْفُسَنَا وَلَمْ تُلاَحِظْ؟ هَا إِنَّكُمْ فِي يَوْمِ صَوْمِكُمْ تُوجِدُونَ مَسَرَّةً، وَبِكُلِّ أَشْغَالِكُمْ تُسَخِّرُونَ. 4هَا إِنَّكُمْ لِلْخُصُومَةِ وَالنِّزَاعِ تَصُومُونَ، وَلِتَضْرِبُوا بِلَكْمَةِ الشَّرِّ. لَسْتُمْ تَصُومُونَ كَمَا الْيَوْمَ لِتَسْمِيعِ صَوْتِكُمْ فِي الْعَلاَءِ. 5أَمِثْلُ هذَا يَكُونُ صَوْمٌ أَخْتَارُهُ؟ يَوْمًا يُذَلِّلُ الإِنْسَانُ فِيهِ نَفْسَهُ، يُحْنِي كَالأَسَلَةِ رَأْسَهُ، وَيْفْرُشُ تَحْتَهُ مِسْحًا وَرَمَادًا. هَلْ تُسَمِّي هذَا صَوْمًا وَيَوْمًا مَقْبُولاً لِلرَّبِّ؟ 6أَلَيْسَ هذَا صَوْمًا أَخْتَارُهُ: حَلَّ قُيُودِ الشَّرِّ. فَكَّ عُقَدِ النِّيرِ، وَإِطْلاَقَ الْمَسْحُوقِينَ أَحْرَارًا، وَقَطْعَ كُلِّ نِيرٍ. 7أَلَيْسَ أَنْ تَكْسِرَ لِلْجَائِعِ خُبْزَكَ، وَأَنْ تُدْخِلَ الْمَسَاكِينَ التَّائِهِينَ إِلَى بَيْتِكَ؟ إِذَا رَأَيْتَ عُرْيَانًا أَنْ تَكْسُوهُ، وَأَنْ لاَ تَتَغَاضَى عَنْ لَحْمِكَ.
8«حِينَئِذٍ يَنْفَجِرُ مِثْلَ الصُّبْحِ نُورُكَ، وَتَنْبُتُ صِحَّتُكَ سَرِيعًا، وَيَسِيرُ بِرُّكَ أَمَامَكَ، وَمَجْدُ الرَّبِّ يَجْمَعُ سَاقَتَكَ. 9حِينَئِذٍ تَدْعُو فَيُجِيبُ الرَّبُّ. تَسْتَغِيثُ فَيَقُولُ: هأَنَذَا. إِنْ نَزَعْتَ مِنْ وَسَطِكَ النِّيرَ وَالإِيمَاءَ بِالأصْبُعِ وَكَلاَمَ الإِثْمِ 10وَأَنْفَقْتَ نَفْسَكَ لِلْجَائِعِ، وَأَشْبَعْتَ النَّفْسَ الذَّلِيلَةَ، يُشْرِقُ فِي الظُّلْمَةِ نُورُكَ، وَيَكُونُ ظَلاَمُكَ الدَّامِسُ مِثْلَ الظُّهْرِ. 11وَيَقُودُكَ الرَّبُّ عَلَى الدَّوَامِ، وَيُشْبعُ فِي الْجَدُوبِ نَفْسَكَ، وَيُنَشِّطُ عِظَامَكَ فَتَصِيرُ كَجَنَّةٍ رَيَّا وَكَنَبْعِ مِيَاهٍ لاَ تَنْقَطِعُ مِيَاهُهُ. 12وَمِنْكَ تُبْنَى الْخِرَبُ الْقَدِيمَةُ. تُقِيمُ أَسَاسَاتِ دَوْرٍ فَدَوْرٍ، فَيُسَمُّونَكَ: مُرَمِّمَ الثُّغْرَةِ، مُرْجعَ الْمَسَالِكِ لِلسُّكْنَى.
الصوم فى المسيحية
دأب الكتبة والفريسيون فى زمن المسيح على المبالغة فى مظاهر التقشف فى أوقات الصيام ( كانوا يصومون يومين إسبوعيآ ) وكانوا يعتبرون هذه المظاهر المتقشفة هى من ضمن متطلبات الصوم ، وفى الواقع فإنهم كانوا يصطنعونها لإعلان أنهم فى حالة صيام حتى ينظر إليهم الناس بإحترام بإعتبارهم أتقياء
وقد عالج الرب يسوع هذا التقليد السىء الذى أضافه هؤلاء على الشريعة الموسوية دون مقتضى وذلك فى عظته على الجبل حيث قال فى متى 6 : 16 – 18 "
16«وَمَتَى صُمْتُمْ فَلاَ تَكُونُوا عَابِسِينَ كَالْمُرَائِينَ، فَإِنَّهُمْ يُغَيِّرُونَ وُجُوهَهُمْ لِكَيْ يَظْهَرُوا لِلنَّاسِ صَائِمِينَ. اَلْحَقَّ أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُمْ قَدِ اسْتَوْفَوْا أَجْرَهُمْ. 17وَأَمَّا أَنْتَ فَمَتَى صُمْتَ فَادْهُنْ رَأْسَكَ وَاغْسِلْ وَجْهَكَ، 18لِكَيْ لاَ تَظْهَرَ لِلنَّاسِ صَائِمًا، بَلْ لأَبِيكَ الَّذِي فِي الْخَفَاءِ. فَأَبُوكَ الَّذِي يَرَى فِي الْخَفَاءِ يُجَازِيكَ عَلاَنِيَةً."
ونلاحظ فى هذا النص قوله " وَمَتَى صُمْتُمْ " ومعنى ذلك أن الرب يسوع لا يمنع الصيام ولا يحاربه ، لكنه ينتقد بعض الممارسات التى كان يمارسها بعض الصائمين فى أيامه وقد أطلق عليهم لقب " المرائين" وقد كانوا من الكتبة والفريسيين . لأنه يخاطبهم مثلآ فى متى 23 : 27 ، 28 "  27وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا الْكَتَبَةُ وَالْفَرِّيسِيُّونَ الْمُرَاؤُونَ! لأَنَّكُمْ تُشْبِهُونَ قُبُورًا مُبَيَّضَةً تَظْهَرُ مِنْ خَارِجٍ جَمِيلَةً، وَهِيَ مِنْ دَاخِل مَمْلُوءَةٌ عِظَامَ أَمْوَاتٍ وَكُلَّ نَجَاسَةٍ. 28هكَذَا أَنْتُمْ أَيْضًا: مِنْ خَارِجٍ تَظْهَرُونَ لِلنَّاسِ أَبْرَارًا، وَلكِنَّكُمْ مِنْ دَاخِل مَشْحُونُونَ رِيَاءً وَإِثْمًا "
كانوا يطلبون من وراء تظاهرهم بالصوم ( أو) حتى لو كان بعض الخلصين منهم يصومون فعلآ ، لكن المظهر الذى كانوا يتكلفون (يبالغون فى تظاهرهم ) أن ينالوا إستحسان الناس (على الأقل) لكى يمدحهم البشر
ولنا فى الصوم بحسب فكر العهد الجديد تعليق هو :
أن الرب يسوع وسائر تلامذته ورسله المكرمين ذكروا كلمة صلوا – صلاة إلى آخر مشتقات هذه الكلمة كثيرآ للحديث عن الصلاة ، ولكنهم وكان الرب يسوع على رأسهم لم يذكر أى مرة كلمة صوم أو إحدى مشتقاتها بدون ذكر كلمة صلاة أو إحدى مشتقاتها
فالصوم ( وهكذا فهمت الكنيسة الأولى) لا ينفصل عن الصلاة
حتى فى عصورتنظيم العبادة فى زمن العصور الوسطى للكنيسة المسيحية شرعوا تنظيم العبادة فى كل أيام نظموه للصيام
الصوم إذآ هو حالة من الإستغراق فى الصلاة والعلاقة مع الله ، هذه الحالة هى التى تستدعى الفرد للإمتناع عن الطعام لأنه يجد لديه أهمية خاصة شخصية أو كنسية تستدعى التفرغ فى الصلاة والعبادة
وهكذا ينصح الرب يسوع تلاميذه عقب فشلهم فى إخراج أرواح شريرة  وإخراجه هو لهذه الأرواح عندما سألوه عن سر فشلهم فى مرقس 9 : 28 ، 29 " 28وَلَمَّا دَخَلَ بَيْتًا سَأَلَهُ تَلاَمِيذُهُ عَلَى انْفِرَادٍ:«لِمَاذَا لَمْ نَقْدِرْ نَحْنُ أَنْ نُخْرِجَهُ؟» 29فَقَالَ لَهُمْ:«هذَا الْجِنْسُ لاَ يُمْكِنُ أَنْ يَخْرُجَ بِشَيْءٍ إِلاَّ بِالصَّلاَةِ وَالصَّوْمِ».
وحتى النص الذى يتحدث فيه عن الصوم فى عظته على الجبل ذكره فى معرض حديثه عن الصلاة فى متى 6 : 5 – 15
 د.ق.جوزيف المنشاوى