الثلاثاء، 6 مارس 2012

نشأة الكون

أرسل الأخ يوسف أنطونيوس فى  ٤ - ٣ - ٢٠١٢  سؤالآ لى أرسله عبر الإنبوكس فى إحدى صفحاتى فى الفيسبوك ، وقد سألته نشر الرسالة مع الإجابة على الصفحة لصالح الجميع وقد إستجاب ، وكان سؤاله هو :- 
كنت عايز أسأل حضرتك سؤال ، ما هو عمر الإنسان على الأرض وفقآ للكتاب المقدس وهل كانت هناك حياة للأنسان قبل آدم ( الحفريات اللى اكتشفوها ما بين الأنسان والغورله وحددوا عمرها إلى أكثر من 5 مليون سنه ) ؟؟؟ شكرآ .

الإجابة 
من المعروف أن الكتاب المقدس قد كُتِبَ بأكمله ، ليس ككتاب للعلم ، وإنما ككتاب روحى كان القصد من وراءه هو توضيح جذور قضية الفداء من بدايتها حتى تمامها على الأرض بالتجسد والصلب والتبرير والتقديس للمؤمنين ، وتكميل الخلاص فى الأبدية بخلاص الروح من قيود الجسد إلى الأبد .
ولكن سائر القضايا التى تتعلق بالإنسان كان الكتاب يذكرها إما بالتلميح عنها أو التصريح بها بالتفصيل أو على نحو مختصر . 
ومن بين هذه القضايا كان حديثه عن الخليقة ، وكان الكتاب معنيآ بالحديث عن الإنسان الحديث الذى يُعِدّه الله لقبول الفداء ، ولنبدأ القصة من بدايتها 
نشأة الكون
يُخطىء كثير من الدارسين عندما يتصورون أن النص الموجود فى سفر التكوين الأصحاح الأول هو المرجع الوحيد بخصوص نشأة الكون ، مع أن هناك الكثير من النصوص التى تشير إلى ذلك ، على سبيل التلميح دون الخوض فى السرد التفصيلى لهذه الواقعة التى بدأ بها الكون فى التكوين ، وربما كان إسم السفر الأول فى كتابنا " التكوين " هو الذى جعل أنظارهم تتركز عليه دون غيره ، مع أننا نجد فى سفر الأمثال على سبيل المثال ، لمحة لنظرية قريبة الشبه بالنظرية التى يُطلِقُ عليها العلماء إسم " نظرية السديم " والتى تفترض وجود الغازات قبل المواد الصلبة ، وتحور تلك الغازات من خلال سرعة دورانها وتبريد حرارتها إلى المجرات التى أسفرت عن وجود الكون وهذا نجده فى سفر الأمثال ٨ : ٢٢ - ٣١ فى معرِضِ حديثه عن الحكمة حيث يقول " 
22«اَلرَّبُّ قَنَانِي أَوَّلَ طَرِيقِهِ، مِنْ قَبْلِ أَعْمَالِهِ، مُنْذُ الْقِدَمِ. 23مُنْذُ الأَزَلِ مُسِحْتُ، مُنْذُ الْبَدْءِ، مُنْذُ أَوَائِلِ الأَرْضِ. 24إِذْ لَمْ يَكُنْ غَمْرٌ أُبْدِئْتُ. إِذْ لَمْ تَكُنْ يَنَابِيعُ كَثِيرَةُ الْمِيَاهِ. 25مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقَرَّرَتِ الْجِبَالُ، قَبْلَ التِّلاَلِ أُبْدِئْتُ. 26إِذْ لَمْ يَكُنْ قَدْ صَنَعَ الأَرْضَ بَعْدُ وَلاَ الْبَرَارِيَّ وَلاَ أَوَّلَ أَعْفَارِ الْمَسْكُونَةِ. 27لَمَّا ثَبَّتَ السَّمَاوَاتِ كُنْتُ هُنَاكَ أَنَا. لَمَّا رَسَمَ دَائِرَةً عَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ. 28لَمَّا أَثْبَتَ السُّحُبَ مِنْ فَوْقُ. لَمَّا تَشَدَّدَتْ يَنَابِيعُ الْغَمْرِ. 29لَمَّا وَضَعَ لِلْبَحْرِ حَدَّهُ فَلاَ تَتَعَدَّى الْمِيَاهُ تُخْمَهُ، لَمَّا رَسَمَ أُسُسَ الأَرْضِ، 30كُنْتُ عِنْدَهُ صَانِعًا، وَكُنْتُ كُلَّ يَوْمٍ لَذَّتَهُ، فَرِحَةً دَائِمًا قُدَّامَهُ. 31فَرِحَةً فِي مَسْكُونَةِ أَرْضِهِ، وَلَذَّاتِي مَعَ بَنِي آدَمَ.
إنّه يجعل الحكمة هى الشىء الذى كان له وجود أوَلى قبل الغمر والجبال والتلال والبرارى و أول أعفار المسكونة حيث رسم دائرة على وجه الغمر والسحب ....ألخ كانت الحكمة هى الصانع لكل هذه الأشياء
كذلك كان حديثه عن المجرات فى أيوب حيث يعاتبه فى أيوب ٣٨ : ٣١ - ٣٨
"
31«هَلْ تَرْبِطُ أَنْتَ عُقْدَ الثُّرَيَّا، أَوْ تَفُكُّ رُبُطَ الْجَبَّارِ؟ 32أَتُخْرِجُ الْمَنَازِلَ فِي أَوْقَاتِهَا وَتَهْدِي النَّعْشَ مَعَ بَنَاتِهِ؟ 33هَلْ عَرَفْتَ سُنَنَ السَّمَاوَاتِ، أَوْ جَعَلْتَ تَسَلُّطَهَا عَلَى الأَرْضِ؟ 34أَتَرْفَعُ صَوْتَكَ إِلَى السُّحُبِ فَيُغَطِّيَكَ فَيْضُ الْمِيَاهِ؟ 35أَتُرْسِلُ الْبُرُوقَ فَتَذْهَبَ وَتَقُولَ لَكَ: هَا نَحْنُ؟ 36مَنْ وَضَعَ فِي الطَّخَاءِ حِكْمَةً، أَوْ مَنْ أَظْهَرَ فِي الشُّهُبِ فِطْنَةً؟ 37مَنْ يُحْصِي الْغُيُومَ بِالْحِكْمَةِ، وَمَنْ يَسْكُبُ أَزْقَاقَ السَّمَاوَاتِ، 38إِذْ يَنْسَبِكُ التُّرَابُ سَبْكًا وَيَتَلاَصَقُ الْمَدَرُ؟"
و"التريا" ، و"الجبار" هما من المجرات كذلك "النعش " ،
 ويشير للجاذبية التى فى تلك المجرات والتى تؤثر فى مدى إستقرار كوكبنا فى قوله " أو جعلت تسلطها على الأرض " ........ وهكذا .
بيد أن الذى يعود للأصحاح الأول من سفر التكوين يجد أن أول ما يطالعنا هو الآيات ١ - ٥
"
1فِي الْبَدْءِ خَلَقَ اللهُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ. 2وَكَانَتِ الأَرْضُ خَرِبَةً وَخَالِيَةً، وَعَلَى وَجْهِ الْغَمْرِ ظُلْمَةٌ، وَرُوحُ اللهِ يَرِفُّ عَلَى وَجْهِ الْمِيَاهِ. 3وَقَالَ اللهُ: «لِيَكُنْ نُورٌ»، فَكَانَ نُورٌ. 4وَرَأَى اللهُ النُّورَ أَنَّهُ حَسَنٌ. وَفَصَلَ اللهُ بَيْنَ النُّورِ وَالظُّلْمَةِ. 5وَدَعَا اللهُ النُّورَ نَهَارًا، وَالظُّلْمَةُ دَعَاهَا لَيْلاً. وَكَانَ مَسَاءٌ وَكَانَ صَبَاحٌ يَوْمًا وَاحِدًا."
والقارىء المُتعجل لا يفطن - فى الغالب - إلى الفترة الزمنية التى أهمل الكتاب ذ كرها بين الاية الأولى والثانية ، والبعض يقف أمام التساؤل :-
 إذا كان الله فى البدء خلق السموات والأرض وأن هناك كانت أرضآ موجودة ولكنها فى حالة خربه ، وأن هناك كان موجود غمر (أى ) مياه ، فلماذا يقول أو اليوم الأول خلق فيه النور ( بحيث يبدو أنه إختص فى اليوم الأول بخليقة النور والظلمة فقط دون سائر المخلوقات ) ، بينما يشيرفى خليقة اليوم الثالث لخليقة الأرض بالنباتات واليابسة ، وفى اليوم الرابع للشمس والقمر والنجوم ، ما معنى خليقة هذه الأشياء لاحقآ مع العلم بأنه ذكرها بادئآ ذى بدء بوصفها أول شىء خلقه الله ؟ بمعنى كيف يتحدث عن أمور لاحقة كما لو كانت هى البدايات مع تصريحه بحقيقة وجودها دون الحديث عن سر وجودها قبل عملية الخلق ؟
لا توجد سوى إجابة واحدة :- إنّ الغمر الذى كان روح الله يرف عليه والسماوات والأرض كانت قد تمت خليقتها من قبل فى مراحل سابقة فى الخليقة أكثر قِدَمآ وعهدآ من قصة الخليقة التى يُفَصِلها فى خليقة الأيام الست المذكورة فى سفر التكوين الأصحاح الأول .
وهؤلاء الذين يتصورون أن كل يوم من تلك الأيام الست كان بمثابة يوم من أيامنا الحالية يقعون فى خطل فكرى بعيد المدى للأسباب التالية :-
١- اليوم كوحدة زمنية ثابتة - فى العصر الحالى - تم تحديده بناءَ على آستقرار الأرض فى دورانها فى فلكها ، بعد تكامل خلق المجرات ، وثبات دوران الأرض حول الشمس بعد إستقرارها المركزى فى المجموعة الشمسية ، التى تتألف من كواكب تدور حولها ، وأقمار تدور حول الكواكب ، فتم تحديد الزمن ،
وهذا لم يتم إلا بالأنتهاء من تلك الحِقبة من الخليقة المشار إليها بالخليقة ذات الستة أيام ،
وبذلك يكون مدى اليوم المذكور ، بمقياس الزمن الحاضر ، غير معلوم .
٢ - أن تحديد الكتاب للمدة الزمنية التى أطلق عليها يوم كان مرتبط بالقول وكان مساء وكان صباح يومآ واحدآ أو ثانيآ ...ألخ ، فالعامل المحدِد هنا هو المساء والصباح الذى لم يتم تحديده إلا فى اليوم الرابع أو المرحلة الرابعة مما يعنى أن تعريف المساء والص باح ذاته كمحدد لعامل الزمن كان على خلاف فهمنا نحن للمساء والصباح فى مفهومنا 
٣- إنّ الكلمة العبرانية التى أستخدمت للحديث عن اليوم هى 
 יוֹם وقد تمت ترجمتها " يوم " ولكنها تعنى فى القاموس العبرانى ، ليس فقط يوم ، ولكن " وقت " أو " فترة " أو " عصر "חדש 'מ'ם" ( نفس الصيغة المشتقة من 
 יוֹם ) بمعنى "بكامل الشهر" ثم " שנת'ם 'מ'ם "بمعنى "بكامل السنوات" -------- فاليوم بإختصار هو فترة زمنية خضعت فى تحديد مداها لقائلها ، فالله يرى فى تلك الفترة يومآ ، وقد فسر المسيح ذلك وشاركه فى هذا التفسير "داود النبى " أن يومآ واحدآ عند الرب كألف سنة والسنة كيوم واحد .
يحدثنا الكتاب عن وجود آبار نفطية فى أيام إبراهيم وهى الآبار الحمر التى كانت فى عمق السديم والتى لأجلها قامت الحرب على " لوط " للأستيلاء عليها فى تكوين ١٤ : ١٠  "
10وَعُمْقُ السِّدِّيمِ كَانَ فِيهِ آبَارُ حُمَرٍ كَثِيرَةٌ. فَهَرَبَ مَلِكَا سَدُومَ وَعَمُورَةَ وَسَقَطَا هُنَاكَ، وَالْبَاقُونَ هَرَبُوا إِلَى الْجَبَلِ."وكانت المدة من آدم لإبراهيم بحسب تأريخ الكتاب ( وسوف يكون لنا حديثآ بخصوص هذا التأريخ لاحقآ ) مسافة ٢٠٠٠ سنه غير كافية لتكوين النفط .
كما يحدثنا عن القار فى زمان "نوح " فى تكوين ٦ : ١٤
14اِصْنَعْ لِنَفْسِكَ فُلْكًا مِنْ خَشَبِ جُفْرٍ. تَجْعَلُ الْفُلْكَ مَسَاكِنَ، وَتَطْلِيهِ مِنْ دَاخِل وَمِنْ خَارِجٍ بِالْقَارِ. " وبين "نوح " و "آدم "١٠٧١ سنة بحسب تأريخ الكتاب كذلك وهى مدة غير كافية لتكوين الفحم الحجرى وبالتالى القار.
ولا يوجد أى تفسير لوجود هذه الأشياء بالأضافة لوجود سائر الخامات المعدنية التى إستخدمها الأنسان المتناسل عن آدم بما فيها الجبال التى تتكون أساسآ من الكالسيوم ، إلا النظر إلى عالم ما قبل خليقة الأيام الست والذى خَلَّفَ غمر وخراب كطان معمورآ بكائنات قبل تلك الخليقة التى صارت المادة الخام لهذا الخلق الجديد .
وبالعودة للآية الثانية فى سفر التكوين الأصحاح الأول نجدها فى العبرانية هكذا :-
 וְהָאָרֶץ, הָיְתָה תֹהוּ וָבֹהוּ, וְחֹשֶׁךְ, עַל-פְּנֵי תְהוֹם; וְרוּחַ אֱלֹהִים, מְרַחֶפֶת עַל-פְּנֵי
 הַמָּיִ
ם وكانت  (הָיְתָה هايتتا ) الأرض خربةתֹהוּ ( توهو ) وخالية וָבֹהוּ (وِبوهو ) وعلى وجه الغمر ظلمة وروح الله يرف على وجه المياه
الفعل كانت فى اللغة العبرانية يشبه اللغة العربية أنه له إخوة مثل أخوات كان فى اللغة العربية ، وكانت اللغة الكلاسيكية تكتفى بإستخدام الفعل هايى بالمعنى الذى يشمل كل إخوة كان فيمكن ترجمته أمست أو أضحت ...... ألخ وهو فعل يفيد التحول من حالة لحالة أخرى بما يفيد أن الخلق المذكور للأيام الست كان بعد تحول جذرى قد تم على الكوكب كان فيه عُمران فيما قبل ، بدليل كلمة توهو أى خربة .
وبالتالى يكون
كل ما ذكرته فى سؤالك عن الغوريللا والحفريات وال ٥ مليون سنة أو ملايين السنين من الممكن أن تكون موجودة فى ذلك العالم الذى تم خرابه أو العوالم المتعاقبة ولم يهتم الكتاب بذكر تفاصيلها لأن غايته كانت تتجه إلى شىء آخر وهو الغاية الروحية الأخلاقية .
أما بالنسبة للتأريخ الكتابى فكما ذكرت لك قبلآ المدة من آدم لإبراهيم والمدة من نوح لإبراهيم ، ىكذلك يجد من يطالع الكتاب أن متوشالح عاش ٩٦٩ سنة وغيره من الآباء الأوائل ، كما يجد أن المدة من "آدم " بوصفه الإنسان الحديث الذى نعرفه وإبراهيم لا يناسب مع الزمن الذى تكشف الآثار عن إمتداده أكثر من ذلك فإن مشكلة التأريخ هى كما يلى :-
 التأريخ أو حساب الزمن
 الجميع يتفقون على أن حساب الزمن عند البشر  يتوقف على توافر نظام معمول به بينهم سمى " التقويم" ، والتقويم رغم أنه فلكى فى الأساس يُبنى على وحدة اليوم المحدد بدوران الأرض حول نفسها مرة كل يوم  بحيث كانت ولا تزال وحدة اليوم هى الوحدة السائدة المُشتَرَكةُ فى كل التقاويم ، لكن عدد الأيام فى الشهور تختلف من تقويم لآخر كذلك عدد الشهور من تقويم لغيره من التقاويم ، وها أنت تلاحظ الفرق بين العغام الهجرى والميلادى حيث يعتبر كل ٣٤ سنة هجرية وثلث بمقدار ٣٣ سنة ميلادية وثلث ، وقد عرف اليهود أربعة أشهر فى سنتهم العبرية قبل السبى بينما عرفوا كونها ١٢ شهر وأطلقوا على الأشهر الجديدة أسمائها بعد السبى ، وأول الأمم التى وضعت تقويمآ منضبطآ كانوا الفراعنة بحساباتهم الفلكية للدورة الكاملة للأرض حول الشمس التى تُقَدّر ب ٣٦٥ يومآ وربع فقاموا بعمل تقويمهم الذى يتكون من ١٢ شهر ، كل شهر فيه ٣٠ يوم بالأضافة للنسىء الذى يجبُر نقص السنة بخمسة أيبام تصير ست كل أربع سنوات ، والكتاب عندما يذكر تأريخ إنما يدون التأريخ الذى كان معمول به أثناء ذكر تلك الحوادث التى يؤرخ لها ، فلم يقوم بتصحيح لتاريخ وفقآ لتقويم معين ينحاز فيه لتقويمآ دون آخر ، ولكنه كان يدون الأحداث لأهميتها دون الأعتداد بذكر التقويم كما نعرفه اليوم ميلاديآ ( وهو فى الواقع رومانيآ ) ، ذلك لأن هدف الكتاب هو موضوع روحى أخلاقى لا يهتم فيه بشرح الأصول الفلكية .
وبذلك يحدد الكتاب زمن خليقة "آدم " وهو الإنسان الحديث الذى نعرفه فى عام ٤٠٠٤ قبل الميلاد وهو على نحو ما ذكرنا حساب غير خاضع لمقياس التقاويم الحالية
أتمنى أن أكون قد أكملت الإجابة عليك ومرحبآ بك .
د.ق. جوزيف المنشاوى 

 
  

ليست هناك تعليقات: