الأحد، 28 أغسطس 2011

الكهنوت الدينى والسياسى والأجتماعى

الكهنوت فى أصله لا يرتبط بدين بعينه ، بل هو تبوء إنسان ما ، لمركز الوساطة بين الإنسان والمثل الأعلى ، أوهو السلطة المهيمنة على التوجيه الأخلاقى والعقيدى ، يستوى فى ذلك الحاكم المستبد مع ماركس - وغيره من مشرعى الفلسفة الأخلاقية ومعلميها - مع كهنة الفراعنة والأزتيك وأحبار اليهود وحاخاماتهم مع كهنة المسيحيين ، وكذلك المتشددون من أهل السلف وأى أمة تنادى بالتشدد الدينى وقبول فرض الوصاية الفكرية عليها كوصاية الخمينى مثلآ
   
                                              .
لذلك كانت الأديان ، ولا تزال من أهم أسباب الصراعات والحروب بين البشر، لأهمال كهنتها - حتى لو لم يطلقوا على أنفسهم هذا اللقب - إدراك أن مقاصد الله هى الخير لجميع البشر،ونصبوا ذواتهم أوصياء على الناس ، بما أعطاهم الناس من صلاحيات نتجت عن الكاريزما التى تميزوا بها .
والواقع أن الأديان من حيث أنها تحتوى على تعاليم ، فهى مجال مغرى لعمل الشيطان ، الذى يُدخل فى روعِ المعلمين لها ، شيئآ من الإحساس بالتفوق على باقى البشر بذلك العلم ، فيُنَّصِبونَ من أنفسهم أوصياء عليه ، ووسطاء عنه وهذا هو مفهوم الكهنوت .
فى كل الأديان القديمة والأكثر حداثة كان الدين هو المجال الخصب لإنتاج المزيد من الكهنة ، وكان هذا هو الذى دعا السيد المسيح لتوصية تابعيه فى قوله "وَلاَ تَدْعُوا لَكُمْ أَبًا عَلَى الأَرْضِ، لأَنَّ أَبَاكُمْ وَاحِدٌ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ. ١٠ وَلاَ تُدْعَوْا مُعَلِّمِينَ، لأَنَّ مُعَلِّمَكُمْ وَاحِدٌ الْمَسِيحُ. ١١ وَأَكْبَرُكُمْ يَكُونُ خَادِمًا لَكُمْ. ١٢ فَمَنْ يَرْفَعْ نَفْسَهُ يَتَّضِعْ، وَمَنْ يَضَعْ نَفْسَهُ يَرْتَفِعْ." ( الإنجيل بحسب البشير متى ٢٣ : ١٠ - ١٢ )
وما دام هناك فكر فإن معلميه يختلفون حوله ، فمنهم من يغريه شيطان الذات للرغبة فى التسيد على كل البشر من حوله ، ومنهم من يقنع بدور التابع دون أن يُحَّمِل نفسه عناء الفكر ، ومنهم من يجد أفكارآ أخرى ينتظر أن يتبعه فى تبنيها آخرون ، وتلك هى طبيعة الفكر - أى فكر - فالبشر تختلف درجات قناعتهم به ، وبسبب وجود آخرون لهم أفكار مناوئة له وبالتالى يتزعم هذا الفكر الآخر كهنة آخرون ، يقع الصدام ، ليس فقط على مستوى الفكر الدينى ، بل على مستوى الفكر الإجتماعى والسياسى كذلك .
ونحن نذكر القذافى وكتابه الأخضر ، والعصر الناصرى والميثاق بل الفكر الشيوعى وماركس ، حلقات من الصراع الذى لا ينتهى .
وكلنا فى مصر يذكر عهد طلائع الفكر الإشتراكى فى مصر ، والسلطة التى نصبت منهم أوصياء على المجتمع ، ولجنة السياسات فى الحزب الوطنى المنحل ، وغيرها من أصناف للكهنوت الإجتماعى على المجتمع المغلوب على أمره .
لو أدرك الكل وسلموا بأن عقول البشر غير متساوية ، وبأن رؤيتهم للأمور تتعدد  ، وتتنوع زوايا رؤيتهم لها ، بنفس كيفية تميز شخصياتهم وتمايزها على نحو فردى فريد لا يمكن ان تتطابق من خلاله أى شخصية مع غيرها ، لأن التمايز فى الشخصيات والإختلاف هو القاعدة لفهم طبيعة البشر.
لو أدرك كل العالم ذلك ، لتعامل الفرد مع أخيه الإنسان وهو يُسَّلِمُ بأن هذا الأخ هو بالضرورة مختلف عنه ، ولا يمكن أن يكون مطابقآ له ، وأن أى محاولة لإعادة صياغة الآخر على نفس النمط الذى تكون أنت عليه ، هو نوع من الكهنوت أنت تمارسه ، وأن إتهامك له بالكفر أو الزندقة ، هو الكهنوت ذاته الذى تحاول فرضه بالقوة .

فهل من الدين أو الأخلاق أو المبادىء البناءة أن يفرز المجتمع كهنة ؟، حتى لو لم يطلقوا على أنفسهم كهنة؟ ، وحتى لو كانوا يلعنون الكهنوت إسمآ دون إدراك لممارستهم له عمليآ ؟ إنه يشبه نفس المنطق الذى يقسم به القاتل أمام المحكمة أنه لا سمح الله ليس بقاتل .والشىء الأشد خطورة هو أن هذا اللون من الكهنوت المفروض على الشعوب ، تأثر بالحركة الصهيونية بصورة واضحة ، حتى لقد صدَّرَت الحركة الصهيونية بتشددها الكهنوتى الأزياء التى تصورتها تعبر عن هيئة وزى أهل          
السلف للسلفيين من أصحاب الفكر أو الدين الاخر غير اليهودى ، حتى مبادىء هؤلاء فى رفض الآخر تم نقلها بحذافيرها لهذه الأديان الأخرى ، ولكن مع الفارق ، بينما كان المتطرفين والمتطرفات اليهوديات يبحثون عن تأصيل مقتع لليهود بمدى تناسب هذا التشدد مع التاريخ اليهودى ، سعى كل من إستورد هذا الفكر للبحث فى كتبه الدينية ليجد علة لهذا التشدد ، ومن الطبيعى أنه يجد فى هذا التاريخ تشابهآ ، وذلك بسبب أن الديانات كانت تعكس فترة قديمة من التاريخ ، كانت فيه هذه الأزياء أو أشباهها على وجه أكثر صحة ، هى المنتشرة فى تلك المجتمعات فى عصور البداوة .
وصار الدين فى مفهوم هؤلاء هو تتبع بشر بأزيائهم وأكلاتهم وعرفهم الإجتماعى السائد فى عصور غابرة ، دون الإلتفات لغاية الأديان والمبادىء المختلفة بإرساء دعائم فكر يكون هدفه هو رقى المجتمع وليس تأخره .

د.ق.جوزيف المنشاوى

ليست هناك تعليقات: