الأحد، 30 ديسمبر 2012

الميلاد حدث أسمى من منطق البشر

فيديو  إنجليزى we wish you a Merry Christmas  

الميلاد حدث عجيب وفقآ لمنطق الإنسان ، فقد تعود الإنسان توقع ولادة الأطفال من المرأة التى تزوجت أو تعاملت مع الرجل ، لأن المولود لا يمكن أن يولد بدون إتحاد إرادة المرأة مع إرادة الرجل ، لذلك كان أول من إلتفت لغرابة واقعة الميلاد العذراء القديسة مريم ذاتها ، عندما بشرها بالميلاد "جبرائيل" الملاك المُرسل من عند الله ، فها هى تقول له:«كَيْفَ يَكُونُ هذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلاً؟»
فيجيبها :
اَلرُّوحُ الْقُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ، وَقُوَّةُ الْعَلِيِّ تُظَلِّلُكِ، فَلِذلِكَ أَيْضًا الْقُدُّوسُ الْمَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ
إنه إذآ حدث فريد عجيب فوق منطق البشر ، لكن الله عودنا من خلال تعامله مع شعبه - عبر التاريخ الطويل من معاملاته مع الإنسان - بداية من خليقته وحتى يومنا هذا ، أنَّه يقوم بعمل عجيب عظيم دائمآ فى نفس الوقت الذى يعجز فيه منطقنا وفهمنا وإدراكنا على فهم طبيعة ما يعمله الله .
فلم تكن خليقة الإنسان الأول من التراب خاضعة لفهم أو منطق الإنسان .
ولم تكن هداية إبراهيم النبى جَدُّ الأنبياء من الأمور العاديه.
ولا كان يوسف فى الجُبِّ ثم فى السجن نتيجة منطقية لسلوكه.
ولا كان الشعب المستعبد تحت سلطة فرعون قاسى لها مبررات وربما كان بعضهم يتسائل لماذا سمح الله بكل هذا لشعبه.
لكن الله كان جديرآ بتشكيل آدم كمخلوق عاقل ، وكان خليلآ لإبراهيم ، وكان واهبآ ليوسف مكانة سامية ، لم يكن أحد من البشر يظنها غيره ، وكان خروج الشعب عبر بحر سوف ( الأحمر حاليآ) ، وكانت عبوديتهم وتسخيرهم فى صناعة الطوب اللبن سببآ لرقيهم لبناء حضارة لم يكن أجدادهم وآبائهم مؤهلين لها ، فقد كانوا يسكنون الخيام ، ولكن بعد العبودية تعلموا فنون البناء بل وكتابة لغتهم بخط بدائى ( بروتو كنعانى) بدلآ من كون لغة أسلافهم لغة منطوقة غير مكتوبه ، فكتب موسى بتلك الأحرف التوراة وتعلم كل حكمة المصريين .
هناك إذآ عمل إلهى عظيم يكمن وراء تلك الأمور التى لا يستطيع البشر إخضاعها لمنطقهم .
ولد المسيح بعد أن صار التاريخ مهيئآ للحظة ميلاده فالإستعمار الرومانى الذى لم ترغبه الشعوب بدأ بواسطة الإسكندر وخلفائه البطالمة والسلوقيين ، فى محاولة دمج ثقافات الشعوب الشرقية مع الحضارة اليونانية الغربية ، فتكونت اللغة الهيلينستية التى تمت ترجمة نبوات الأنبياء فى العهد القديم والتوراة إليها ، فكانت الترجمة السبعينية التى صارت مرجعآ لكل مثقفى العالم القديم عند محاولة تفهم جذور النبوات بخصوص ميلاد المسيح ، وصارت هذه اللغة فى ذات الوقت وسيلة يستخدمها كتبة الإنجيل وكل العهد الجديد بلغة يسهل تداولها فى كل أرجاء الإمبراطوريه ، وعزز الرومان حماية الطرق التى تؤدى لكافة البلاد لتأمين نقل الحاميات الرومانية من جند وعتاد فكانت طرقآ مؤهلة لإنتقال المبشرين بالمسيحية من بعد ، أولئك الذين لا يحملون سيفآ ولا سلاحآ بل خدمتهم أحداث التاريخ التى كان البشر لا يفضلونها ، وكانت لا تخضع لمنطق أهوائهم .
وكان الصراع الفكرى بين فرق اليهود وطوائفهم من فريسيين وهيروديسيين وصدوقيين وكتبة يعبر عن وصول الفكر اليهودى لمرحلة الحيرة والإرتباك والتشكك الذى أدى بهذه الفرق للتناحر ، كما أضافت الثقافة الهيلينيستية بما فيها من دمج للثقافات الشرقية كالبودية والكونفوشيوسية والزرادشتيه وغيرها مع الفكر اليهودى لينجم عنها جماعات تعتزل المجتمع وتسكن الصحارى كجماعة الأسينيين وغيرها ، ودخول معتقدات جديدة لفكر المجتمع اليهودى مثل عقيدة معمودية التوبة التى نادى بها يوحنا المعمدان وصارت من أهم الأسس فى الفكر المسيحى من بعد ، وكان المجتمع فى لهفة وسط حيرته وإرتباكه لوجود شخصية تضع النبوات التى بدأ فى التشكك منها فى إطارها السليم ، كانت شخصية المسيا الذى حدثتهم عنه النبوات ، فأين هو ؟.
كل تلك المقدمات التى كان يرفضها منطق المواطن اليهودى كان من ورائها عزم الله على تنفيذ خطته من خلال ميلاد المسيح.
ليس ذلك فقط بل نرى فى حادثة الميلاد عند حدوثها كثير من الأمور العجيبه
فها هو النجم الذى يقود المجوس !.
والمجوس هم من أتباع زرادشت !، فكيف تحولوا فجاءة لأول جماعة تبشر وتعلن ميلاد المسيح! ، ووصل تبشيرهم هذا إلى قصر هيرودس الملك الأدومى الذى كان يحكم اليهود بسلطة روما عندما ذهبوا إليه متسائلين 
:«أَيْنَ هُوَ الْمَوْلُودُ مَلِكُ الْيَهُودِ؟ فَإِنَّنَا رَأَيْنَا نَجْمَهُ فِي الْمَشْرِقِ وَأَتَيْنَا لِنَسْجُدَ لَهُ»ومن خلال ذلك السؤال جمع هيرودس حكماء البلاد وحفظة الناموس وكتب الأنبياء ليحيل لهم هذا السؤال فأجابوه :«فِي بَيْتِ لَحْمِ الْيَهُودِيَّةِ. لأَنَّهُ هكَذَا مَكْتُوبٌ بِالنَّبِيِّ: وَأَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمٍ، أَرْضَ يَهُوذَا لَسْتِ الصُّغْرَى بَيْنَ رُؤَسَاءِ يَهُوذَا، لأَنْ مِنْكِ يَخْرُجُ مُدَبِّرٌ يَرْعَى شَعْبِي إِسْرَائِيلَ».
فحتى إجابتهم أفصحت عن نفس الغرابة التى يتبعها الله فوق منطق الإنسان لتنفيذ خطته بهذا العمل الفذ فبيت لحم قرية صغيرة وليست من الحواضر أو المدن الكبرى حيث يسكن الأغنياء والأقوياء فى تلك المدن الكبرى! .
والشىء الغريب الآخر الذى حدث فى القصر الهيرودسى بسبب  الميلاد هو خوف هيرودس الملك وكل أورشليم حاضرة أو عاصمة البلاد فى ذلك الوقت من الطفل الوليد!   
 فَلَمَّا سَمِعَ هِيرُودُسُ الْمَلِكُ اضْطَرَبَ وَجَمِيعُ أُورُشَلِيمَ مَعَهُ.
والأمر الغريب كذلك أن يواصل هؤلاء الرجال الأثرياء الذين عبرت هداياهم عن مقامهم إلى الطفل فى المزود وهو حجرة الخزين أو مخزن المواد التموينية فى بيت أسرة يوسف النجار! وعندما يصلون إلى هناك يسجدون له! ويقدمون له هداياهم بنفس البروتوكول الذى كان الزوار يتبعونه عند زيارة الملوك! 
وَأَتَوْا إِلَى الْبَيْتِ، وَرَأَوْا الصَّبِيَّ مَعَ مَرْيَمَ أُمِّهِ. فَخَرُّوا وَسَجَدُوا لَهُ. ثُمَّ فَتَحُوا كُنُوزَهُمْ وَقَدَّمُوا لَهُ هَدَايَا: ذَهَبًا وَلُبَانًا وَمُرًّا.
والشىء الغريب كذلك كان إختيار الملائكة لنفر من البسطاء الذين يمتهنون مهنة الرعى ليبشرونهم بمولد المسيح ويرشدونهم لمكان مولده ! حتى يكونوا كذلك مثل الأغنياء الغرباء الذين سبقت وفادتهم له وزيارته 
وَلَمَّا مَضَتْ عَنْهُمُ الْمَلاَئِكَةُ إِلَى السَّمَاءِ، قَالَ الرجال الرُّعَاةُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ:«لِنَذْهَبِ الآنَ إِلَى بَيْتِ لَحْمٍ وَنَنْظُرْ هذَا الأَمْرَ الْوَاقِعَ الَّذِي أَعْلَمَنَا بِهِ الرَّبُّ». فَجَاءُوا مُسْرِعِينَ، وَوَجَدُوا مَرْيَمَ وَيُوسُفَ وَالطِّفْلَ مُضْجَعًا فِي الْمِذْوَدِ.فَلَمَّا رَأَوْهُ أَخْبَرُوا بِالْكَلاَمِ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ عَنْ هذَا الصَّبِيِّ. وَكُلُّ الَّذِينَ سَمِعُوا تَعَجَّبُوا مِمَّا قِيلَ لَهُمْ مِنَ الرُّعَاةِ.
ميلاد عجيب حتى فى توقيته وكل الأحداث المصاحبة له والمكان المختار لحدوثه والأشخاص الذين تعاملوا معه .
وهكذا يكون عجيبآ فقد تنبأ عنه النبى إشعياء 
لأَنَّهُ يُولَدُ لَنَا وَلَدٌ وَنُعْطَى ابْنًا، وَتَكُونُ الرِّيَاسَةُ عَلَى كَتِفِهِ، وَيُدْعَى اسْمُهُ عَجِيبًا، مُشِيرًا، إِلهًا قَدِيرًا، أَبًا أَبَدِيًّا، رَئِيسَ السَّلاَمِ. لِنُمُوِّ رِيَاسَتِهِ، وَلِلسَّلاَمِ لاَ نِهَايَةَ عَلَى كُرْسِيِّ دَاوُدَ وَعَلَى مَمْلَكَتِهِ، لِيُثَبِّتَهَا وَيَعْضُدَهَا بِالْحَقِّ وَالْبِرِّ، مِنَ الآنَ إِلَى الأَبَدِ. غَيْرَةُ رَبِّ الْجُنُودِ تَصْنَعُ هذَا.
وليست غرابة أحداث هذه الأيام التى نحياها فى بلادنا بعيدة عن توقعنا لعمل عجيب يصنعه الله يفوق كل تطلعاتنا .
كل عام وحضراتكم بخير 
د.ق. جوزيف 
المنشاوى