السبت، 28 يناير 2012

قضية الكنيسة الفاشلة

قضية الأحوال الشخصية فى الكنيسة المصرية هى قضية الكنيسة الفاشلة
فقد شاءت الكنيسة أن تتنصل من مسئوليتها فى توصيل المسيح لقلوب البشر رجال كانوا أو نساء وأبدلت وجود المسيح فى قلوب هؤلاء بالبشر من كهنة وأساقفة ومجالس ولجان وكل هؤلاء لا يصلحون كوسيلة لنشر السلام والمحبة فى القلوب ، لأن أبناء الكنيسة المتخاصمين لم يقبلوا أساسآ الروح القدس فى قلوبهم الذى يصنع هذا السلام ويزرع المحبة فى القلوب.
أنا ياسادة شيخ لى 42 عام من الخدمة المباشرة لشعب الله خارج أسوار الكنيسة المبنية ، وكنت ألاحظ عودة الوئام الأسرى لأولئك الذين يقبلون المسيح بالحقيقة فى قلوبهم ، أولئك الذين يتوصلون للعلاقة المباشرة الناجحة بينهم وبين الله ، أولئك الذين أختبروا الحياة الجديدة فى المسيح ، أولئك الذين ولدوا من جديد وعرفوا طريقهم لمحبة المسيح .
كم من بيوت أمتلئت بالمشاحنات والخلافات ، صارت تلك المعوقات أدراج الرياح عندما قبلت الأسرة شخص المسيح عضوآ له وجود حقيقى داخل الأسرة .
فشلت الكنيسة ولم تصلح فشلها ولم ترغب فى تحويله للنجاح لأنها واقعة تحت تجربة أو أغراء بشرى يجذبها للخلف ،وذلك الذى شدها للخلف هو  أنتهاز رجالها الأشاوس فرصة وجود فراغ فى داخل الأسر من المسيح فعوضوا بوجودهم وتدخلهم فى حياة هذه الأسر لتعويضهم عن وجود المسيح فتحولت الكنيسة من مستشفى للعلاج لم
حكمة تكيل الأتهامات لطرف على حساب الآخر وأشبع رجالها نقصاتهم ونقائصهم بالحلول كسادة فى يدهم الحل والربط لذلك الكيان المقدس الأسرى .
يجب أن تتوجه الكنيسة ورجالها لرب الكنيسة ساجدة متذللة بسبب خطيتها وتطلب التوبة بقلوب منسحقة .
صارت الكنيسة التى تتبنى فى الأصل مبدأ المحبة التى تستر ألى مكلمة تنشر الفضائح والأسرار الشخصية على الملأ ، بل تكتب تقارير ، ترجو من كتابتها أن تكون موضع ألأ
عتبار فى محاكم الأحوال الشخصية ، وهى تشير بأصبع الأتهام لأحد الأطراف ، وقد تكون مخطئة فى مزاعمها ، لأرتباط هذه التقارير بالعنصر البشرى الذى ليس له عصمة من الميل والهوى والنسيان وخطأ الأستنتاج ألى آخر تلك الأخطاء البشرية ، تقارير للفضح ونبش القبور .
يقول الكتاب 
" . 9مَنْ قَالَ: إِنَّهُ فِي النُّورِ وَهُوَ يُبْغِضُ أَخَاهُ، فَهُوَ إِلَى الآنَ فِي الظُّلْمَةِ. 10مَنْ يُحِبُّ أَخَاهُ يَثْبُتُ فِي النُّورِ وَلَيْسَ فِيهِ عَثْرَةٌ. 11وَأَمَّا مَنْ يُبْغِضُ أَخَاهُ فَهُوَ فِي الظُّلْمَةِ، وَفِي الظُّلْمَةِ يَسْلُكُ، وَلاَ يَعْلَمُ أَيْنَ يَمْضِي، لأَنَّ الظُّلْمَةَ أَعْمَتْ عَيْنَيْهِ " رسالة يوحنا الأولى 2 : 9 - 11 .
كان ينبغى على الكنيسة أن تتعرف على السبب الحقيقى للكراهية ، وهو الحياة فى الظلمة ، وكان يجب عليها أن تشع بنورها لتغيير حياة المبغضين ، لكنها أهتمت بالظلمة ونسيت النور الذى هو رسالتها الأصيلة .
ويقول
"20إِنْ قَالَ أَحَدٌ:«إِنِّي أُحِبُّ اللهَ» وَأَبْغَضَ أَخَاهُ، فَهُوَ كَاذِبٌ. لأَنَّ مَنْ لاَ يُحِبُّ أَخَاهُ الَّذِي أَبْصَرَهُ، كَيْفَ يَقْدِرُ أَنْ يُحِبَّ اللهَ الَّذِي لَمْ يُبْصِرْهُ؟ " رسالة يوحنا الأولى 4 : 20 . مادام رجال الكنيسة هم المتربعون على عروش أفئدة المسيحيين فأين مكان عرش المسيح فيها ؟ بالطبع سوف يشارك هؤلاء فى عروشهم التى خيموا بها فى قلوب البسطاء ، وثبتوا أوتاد هذه الخيام وحبالها أوحبائلها  ، أمور أخرى كثيرة ليس من بينها المسيح الحقيقى الذى يعلنه الكتاب ، لأنه لا يرضى أن يكون له شريك فى قلب المؤمن ، فحل معهم على تلك العروش الرغبات البشرية والأهواء والتطلعات والطموح والطمع والخبث وعدم الأمانة والكبرياء والمكر والتسلط والتشبه بأهل العالم والملذات البشرية والنواميس الجسدانية ألى آخر تلك الموبقات والمخربات للبيوت والمجتمعات .ومع الأسف تحولت الكنيسة للمشجع الأول لكل تلك الموبقات دون أن تفطن لذلك . فابتدعت الكنيسة الشفاعات والقداسة لرجال الدين وهم تراب ومزدرى وغير موجود ليحلوا محل المسيح فى قلوب المسيحيين ، وحل بجوار هذا كله محبة العالم والملذات ، فلا ضير فهؤلاء الباتعون  ( من كلمة باتع أى مقتدر ) قادرون على ستر أهوائهم والتضرع للمسيح نيابة عنهم وهم يعيشون حياة الملذات البشرية .
وللأسف كانت الكنيسة - 
فى مرات كثيرة - هى السبب فى أستفحال المشكلة بينما يختفى دورها المؤسف هذا تحت السطح ولا يلاحظه أحد مثلآ : - هناك العديد من الأمثلة لرجال أحيوا نساء عن طريق الكنيسة بما جعلهم ينتقصون من محبتهم لزوجاتهم ، والعكس بالعكس بالنسبة للمرأة .
تلك
المرأة التى لجأت للكنيسة لتشكو زوجها ( ولم يكن  من المناسب أن تجعل الكنيسة من نفسها هدفآ لتحول نفسها ألى محكمة ) . وفى الكنيسة وجدت الرجل سواء كان هو الكاهن أم أى شخص آخر ، يستمع لشكواها ويتعاطف معها فتجد فيه أنموذج التعاطف الذى تفتقر أليه مع زوجها ، وبالمثل يكون الأمر مع الزوج ، فبدلآ من علاج المشكلة تبدأ النفس البشرية فى البحث عن النقائص بل وبالأسهام فى ظهورها ، وأحيانآ أفتعالها فتتحول الكنيسة ألى مغارة لصوص كان يجب أن ترى رب المجد وهو يمسك بالسوط لأخراجهم من وسط هذا المجتمع المقدس الذى أشتراه المسيح بدمه .
  وتجاهد الكنيسة عوضآ عن تفعيل دورها فى حث المسيحيين لقبول المسيح بحق فى قلوبهم
لأيجاد دور لها على مستوى العالم ( الذى وضع فى الشرير ) ليكون لها دور فى وضع القوانين والوجود بين رجال السلطة والنظام المجتمعى السياسى أو على الأقل الأجتماعى السياسى ، بينما فقدت وأهملت دورها الروحى والتربوى داخل الأسوار التى قامت بتشييدها حولها .
مثلآ :- رجل يترك المسيحية سعيآ وراء أمراءة غير مسيحية ، أو أمرأة مسيحية تترك رجلها للسعى وراء رجل غير مسيحى  ،
وبدلآ من أن تكيل الكنيسة الأتهامات للبنيان الفكرى الذى زرعته فى عقول أتباعها هؤلاء الذين رفضوا تبعيتها ، فتكيل الأتهام للآخر الذى لم يكن سوى مجرد مستقبل لنفس خاوية فشلت الكنيسة ( الأم ) فى تغذيتها وأشباعها .
ألا من توبة نصوح للكنيسة النائمة؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟
يارب المجد كنيستك عادت لعصور الكتبة والفريسيين .
شرعت قوانين ونواميس لا تسطيع تحريكها بأصبعها .
 أحمالآ عسرة الحمل .
 يارب المجد شبع رجال الكنيسة من تقاضى أتعاب خدماتهم فأنتفخت كروشهم على حساب الرعية التى تجهزت مثل غنم للذبح.
 يارب المجد كنيستك صار فيها رجال يظنون أنهم أزواج بدلاء عن كل الأزواج .
وأباء يمسكون بسوط التأديب لكل الزوجات والأزواج على السواء .
 ظن رجالها أنهم صاروا حكامآ وضباطآ وأصحاب سيادة .
وأنت كنت فى العالم تسعى حافى القدمين ( أحيانآ ) .
ولدت فى مزود وعوملت كشاة تساق ألى الذبح .
 يارب المجد من فضلك أيقظ هؤلاء ليعودوا لأدوارهم الأصيلة .
وألا من فضلك أرسل سياطك لأخراجهم من مقادسك ،  من تلك المشكاة التى شئتها لكى تنشر بها النور على العالم .

د.ق.جوزيف المنشاوى
 

السبت، 7 يناير 2012

لغز المسيحية 2- ممارسة الفكروصداه

لغز المسيحية
(2) ممارسة الفكر وصداه
يتخيل الرسام فى تلك الصورة حادثة توزيع التلاميذ للمائدة التى كانت تتكون من خمسة أرغفة وسمكتين (وهناك أفكار لدى بعض مدارس التفسير حول رمزية هذا الرقم ) ، ولكن على وجه العموم تبرز هذه الحادثة معنى جليل من معانى الحب العملى الذى علمه المسيح لأتباعه وأرساه .
ومرة أخرى أكرر كما قلت من قبل ، لم يكن تعليم الحب فى المسيحية من قبيل تطبيق لمبادىء نظرية ، أو محاولة لتقليد المسيح كمثال - مع أنه مثال صالح - وأنما تأتى تلقائيآ لمن يؤمنون بالفعل بالمسيحية ، ويبدو هذا من أختبارات الكثيرين الذين آمنوا ، فكما أتفقنا على أن الآيمان بالمسيحية هو أختبار روحى ، ويقين يسكن جوانح المؤمنين ، لأسباب تتعلق مباشرة من التعامل مع الله وأعلاناته للأنسان ، فها هو واحد من أولئك المؤمنون ، اسمه بولس وهو من كتاب العهد الجديد يكتب قائلآ:-
22وَأَمَّا ثَمَرُ الرُّوحِ فَهُوَ: مَحَبَّةٌ فَرَحٌ سَلاَمٌ، طُولُ أَنَاةٍ لُطْفٌ صَلاَحٌ، إِيمَانٌ 23وَدَاعَةٌ تَعَفُّفٌ. ضِدَّ أَمْثَالِ هذِهِ لَيْسَ نَامُوسٌ. 24وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ. 25إِنْ كُنَّا نَعِيشُ بِالرُّوحِ، فَلْنَسْلُكْ أَيْضًا بِحَسَبِ الرُّوحِ. 26لاَ نَكُنْ مُعْجِبِينَ نُغَاضِبُ بَعْضُنَا بَعْضًا، وَنَحْسِدُ بَعْضُنَا بَعْضًا.
فالروح هو الذى يعلن القناعة بالمسيح  فى داخل الأنسان ، بناء على أختيار الله له ، ليكون مؤمنآ هو نفسه ،  فيثمر فى داخل المؤمنين بأثمار واضحة ، وقبل أختبار بولس هذا يقول المسيح فى متى 7 : 15 - 19  : -
«اِحْتَرِزُوا مِنَ الأَنْبِيَاءِ الْكَذَبَةِ الَّذِينَ يَأْتُونَكُمْ بِثِيَاب الْحُمْلاَنِ، وَلكِنَّهُمْ مِنْ دَاخِل ذِئَابٌ خَاطِفَةٌ! 16مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ. هَلْ يَجْتَنُونَ مِنَ الشَّوْكِ عِنَبًا، أَوْ مِنَ الْحَسَكِ تِينًا؟ 17هكَذَا كُلُّ شَجَرَةٍ جَيِّدَةٍ تَصْنَعُ أَثْمَارًا جَيِّدَةً، وَأَمَّا الشَّجَرَةُ الرَّدِيَّةُ فَتَصْنَعُ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، 18لاَ تَقْدِرُ شَجَرَةٌ جَيِّدَةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا رَدِيَّةً، وَلاَ شَجَرَةٌ رَدِيَّةٌ أَنْ تَصْنَعَ أَثْمَارًا جَيِّدَةً. 19كُلُّ شَجَرَةٍ لاَ تَصْنَعُ ثَمَرًا جَيِّدًا تُقْطَعُ وَتُلْقَى فِي النَّارِ. 20فَإِذًا مِنْ ثِمَارِهِمْ تَعْرِفُونَهُمْ.
وفى هذا الجزء يعلم المسيح تابعيه كيف يميزون بين المدعى الكاذب والمؤمن الحقيقى ، فهو يشبه الكاذب أنه كشجرة الشوك التى تنتج بالطبع شوكآ لا تستطيع أن تنج عنبآ أو تينآ ( ونعرف أن العنب والتين كانا رمزين لشعبين هما العهد القديم والعهد الجديد فهو أحيانآ يرمز لشعب العهد القديم بالتينة والعهد الجديد بالتينة المثمرة والمسيح مع شعب العهد الجديد بالكرمة الجديدة على غرار كرمة الرب أى شعبه الذى نقله من أرض مصر ) ويجمل قوله بحكمته الخالدة بأن الشجرة الجيدة تصنع أثمارآ جيدة أى المؤمن له ثمر جيد واضح فى صفاته وخصاله وأما غير المؤمن فواضح كذلك من خصاله وصفاته السيئة .
فيجب أن ينعكس الأيمان تلقائيآ لممارسة راقية صداها العملى واضح .
أذآ هناك صفات تظهر بالضرورة على المؤمن ، ومنها المحبة والفرح والسلام وطول الأناة واللطف والصلاح والتعقل وعدم التغاضب والتقاتل ، هذه الصفات لا يفتعلها الفرد ، ولكنها تصير تلقائيآ منهاجآ للمؤمن ، يجد نفسه تميل تجاهها دون مشقة أو تكلف.

هذه الحقيقة كانت من بين أسباب ألتفات نظر مختلف المجتمعات للمؤمنين فشدت أنتباههم وجذبتهم للحوار النفسى الداخلى ، وجعلتهم يتلصصون على مجتمع الكنيسة فى القرون الأولى ، خفية أوعلانية حتى نشأ ما يقال عنه قداس طالبى الحقائق ، وهو جزء خاص بأرشاد الراغبين فى معرفة المسيحية.
كانت المجتمعات القديمة تذخر بالقسوة فى التعامل بين الأنسان وأخيه الأنسان ، حيث كانت الحروب التى تخلف الرق ، والأسترقاق ، والعبودية ، والقتل بلا هوادة ، حتى فى النزاعات الداخلية البسيطة ، بينما تميز المسيحيون بمحبتهم ، وبشاشتهم ، ومعاملتهم الحسنة ، ليس فقط لبعضهم البعض ، ولكن للجميع .
كانت المسيحية كالمغناطيس الذى يجذب الشعوب ، ويجعلها تحلم بأن تتحول مجتمعاتها ألى يوتوبيا أخلاقية راقية .
فمبدأ "أخوة جميع البشر" كان من بين المبادىء التى نادى بها ومارسها المسيحيون بالفعل ، وقد علمنا المسيح كيف يكون الفرد فى ذاته ، وفى حقيقة ما يقوم بعمله ، خير شاهد لجمال وروعة ذلك المبدأ الروحى ، الذى أسمته البشرية من بعد أسم المسيحية فقد قال فى متى 5 : 13 - 16 :-
13«أَنْتُمْ مِلْحُ الأَرْضِ، وَلكِنْ إِنْ فَسَدَ الْمِلْحُ فَبِمَاذَا يُمَلَّحُ؟ لاَ يَصْلُحُ بَعْدُ لِشَيْءٍ، إِلاَّ لأَنْ يُطْرَحَ خَارِجًا وَيُدَاسَ مِنَ النَّاسِ. 14أَنْتُمْ نُورُ الْعَالَمِ. لاَ يُمْكِنُ أَنْ تُخْفَى مَدِينَةٌ مَوْضُوعَةٌ عَلَى جَبَل، 15وَلاَ يُوقِدُونَ سِرَاجًا وَيَضَعُونَهُ تَحْتَ الْمِكْيَالِ، بَلْ عَلَى الْمَنَارَةِ فَيُضِيءُ لِجَمِيعِ الَّذِينَ فِي الْبَيْتِ. 16فَلْيُضِئْ نُورُكُمْ هكَذَا قُدَّامَ النَّاسِ، لِكَيْ يَرَوْا أَعْمَالَكُمُ الْحَسَنَةَ، وَيُمَجِّدُوا أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ.
وهو هنا يتحدث عن المؤمنين كملح ( قد يكون رخيص الثمن لكنه ضرورى جدآ ) وكنور للعالم ( وينبغى أن يكون نورآ فعالآ واضحآ ) ،  ثم وضع قاعدته الذهبية " لكى يرى الناس أعمالكم الحسنه " ( وهى التى رمز لها بالملح والنور ) "فيمجدوا أباكم الذى فى السموات" .
ويتدرج المسيح فى حديثه لكى يثبت أن مجرد المحاولة لأتباع الوصية النظرية ، غير كاف للوصول للأيمان الحقيقى ، الذى يريد أن يكون عليه المؤمنين به ، عندما يقول فى متى 5 : 43 - 47 ما يلى :-
«سَمِعْتُمْ أَنَّهُ قِيلَ: تُحِبُّ قَرِيبَكَ وَتُبْغِضُ عَدُوَّكَ. 44وَأَمَّا أَنَا فَأَقُولُ لَكُمْ: أَحِبُّوا أَعْدَاءَكُمْ. بَارِكُوا لاَعِنِيكُمْ. أَحْسِنُوا إِلَى مُبْغِضِيكُمْ، وَصَلُّوا لأَجْلِ الَّذِينَ يُسِيئُونَ إِلَيْكُمْ وَيَطْرُدُونَكُمْ، 45لِكَيْ تَكُونُوا أَبْنَاءَ أَبِيكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ، فَإِنَّهُ يُشْرِقُ شَمْسَهُ عَلَى الأَشْرَارِ وَالصَّالِحِينَ، وَيُمْطِرُ عَلَى الأَبْرَارِ وَالظَّالِمِينَ. 46لأَنَّهُ إِنْ أَحْبَبْتُمُ الَّذِينَ يُحِبُّونَكُمْ، فَأَيُّ أَجْرٍ لَكُمْ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ ذلِكَ؟ 47وَإِنْ سَلَّمْتُمْ عَلَى إِخْوَتِكُمْ فَقَطْ، فَأَيَّ فَضْل تَصْنَعُونَ؟ أَلَيْسَ الْعَشَّارُونَ أَيْضًا يَفْعَلُونَ هكَذَا؟ 48فَكُونُوا أَنْتُمْ كَامِلِينَ كَمَا أَنَّ أَبَاكُمُ الَّذِي فِي السَّمَاوَاتِ هُوَ كَامِلٌ.
فالمسألة اذآ  ليست فى وصية يحفظها البشر ، حتى ولو كانوا يحاولون تطبيقها ، لأن ما فى المسيحية يستحيل على الشخص العادى أن يطبقه ، فهو بالكاد يحب من يبادلونه الحب بينما يكره من يناصبونه العداء ، أما ما يريده المسيح من تابعيه هو أن تكون لهم طبيعة جديدة تختلف عن تلك الطباع المعتادة لدى البشر  ، فهو يتطلع لمحبة الأعداء ، وتمنى الخير لمن يتمنى لنا الشر ، وصنع الأحسان لمن يناصبنا العداء ، ويضرب مثلآ بالله سبحانه وتعالى ، حيث لا يفرق بين أنسان وآخر عندما يشرق بشمسه على الجميع ويهب المطر للكل ، فأن كمال الأيمان هو أن تحب عدوك وتسلم على من يعاديك وتتمنى له الخير.
وبالرغم من تلك الصورة الوردية التى قدمها المؤمنين من تلقاء ذواتهم بصورة طبيعية غير متكلفة ، كانت فى جانب سببآ لنشر المسيحية ، ألا أنها كانت على جانب آخر سببآ للمتاعب وللأضطهادات التى مارستها المجتمعات البشرية ، ولا تزال تمارسها على المؤمنين ، حتى يومنا هذا .
فلقد قام فى التاريخ أضطهادآ ، كان مبنيآ على أشاعة شاعت بواسطة غير المؤمنين ، قاموا بتأليفها آملين أن يقضى بها على المسيحية قضاءآ مبرمآ ، عندما سرت شائعة تقضى بأن المسيحيون يتزوجون أخواتهم ،  ويتخذون منهن زوجات ، وهو المعروف فى التاريخ بأسم أضطهاد سفاح القربى ، فقد كان ظاهرآ للعامة رفق معاملة الرجل المسيحى لزوجته ، ومناداتها يأخت فلانة ، على عكس الألقاب التى كان يفضل الرجل العادى أطلاقها على زوجته من قبيل الأحتقار ، وتفهم الزوجة ومحبتها لزوجها فلا تبدو وهى تصنع معه صنيعآ طيبآ أنها تفعل ذلك وفق أوامر صادرة منه ، بما لا يتفق مع ما يحدث بين غيرهم ، فى ذلك الوقت ( كان هذا فى زمن لم تتأثر فيه المجتمعات المسيحية بالتأثيرات التى تشبه بها الوارثون للمسيحية دون الأختبار الحقيقى لها ) وسقط كثير من المسيحيين فى تلك الأضطهادات قتلى ، وأصيب الكثيرين بينما بعد تحرى الحقيقة ، توقف الأضطهاد ، وتبارى الناس فى محاولة مجاراة المسيحيين فى أفكارهم ، وبالفعل أقبل كثير منهم للأيمان المسيحى الذى أعلنه الله لهم .

فالمسيحية الروحية كما أنها قناعة أعجازية يقوم بصنعها الله داخل المؤمنين ، فيها ممارسات عملية غير مفروضة بوصايا أو تعاليم ، حتى يكاد يكون الأمى الذى لا يعرف القراءة ولا الكتابة ويجهل تمامآ التعاليم نظريآ ، أكثر أظهارآ لتلك الصفات السامية فى ممارسته للمسيحية ، بصفات لها صدى مميز لا يتوافر لدى كثير من المثقفين الذين لم يعرف الأيمان طريقه لقلوبهم .
د. ق جوزيف المنشاوى.

لغز المسيحية ( مقدمة) 1- نشأة الفكر ومنبعه

مقدمة
  لم يتمكن غير المسيحيون من معرفة الأسرار التى تحويها المسيحية مهما بالغوا فى دراستها والوقوف عن كثب منها .
فهى تتألف من مجتمعات بشرية  تتوافر فيها صلابة غير متوقعة فى ذهن كل من يظنها مجرد مجموعة من الأفكار المتداولة مثل معظم الأديان التى عرفتها البشرية
.

تلك الصلابة التى أثبتت وجودها وبقائها على مر القرون ، فى مختلف بقاع الأرض وأنتشرت بواسطة أحدعشر رجلآ من حواريى المسيح بعد أنتحار يهوذا الذى كان بمثابة الحوارى الثانى عشر عقب قيامة المسيح بسبب أحساسه باليأس من رحمة الله تعالى ، حيث قام بتسليم المسيح عليه السلام لليهود مؤيدين بقوة الجنود الرومان الذين صلبوه ، فقد أنتابه الشك فى أيمانه به - ذات مرة - قبل تآمره عليه ، فباعه ببضعة دراهم ، وسمح لأولئك الذين كانوا يكرهونه ويحقدون عليه أن يستخدموه كمرشد مندس بين الحواريين لتسهيل تسليمه للسلطات.
   وعندما أكتشف أنه خسر مكانته بخيانته قام بشنق نفسه ،
ويخبرنا بهذه المعلومة سفر أعمال الرسل على لسان بطرس ، كبير الحواريين ، عندما يقول فى 1 : 15 - 19 15وَفِي تِلْكَ الأَيَّامِ قَامَ بُطْرُسُ فِي وَسْطِ التَّلاَمِيذِ، وَكَانَ عِدَّةُ أَسْمَاءٍ مَعًا نَحْوَ مِئَةٍ وَعِشْرِينَ. فَقَالَ: 16«أَيُّهَا الرِّجَالُ الإِخْوَةُ، كَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَتِمَّ هذَا الْمَكْتُوبُ الَّذِي سَبَقَ الرُّوحُ الْقُدُسُ فَقَالَهُ بِفَمِ دَاوُدَ، عَنْ يَهُوذَا الَّذِي صَارَ دَلِيلاً لِلَّذِينَ قَبَضُوا عَلَى يَسُوعَ، 17إِذْ كَانَ مَعْدُودًا بَيْنَنَا وَصَارَ لَهُ نَصِيبٌ فِي هذِهِ الْخِدْمَةِ. 18فَإِنَّ هذَا اقْتَنَى حَقْلاً مِنْ أُجْرَةِ الظُّلْمِ، وَإِذْ سَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ انْشَقَّ مِنَ الْوَسْطِ، فَانْسَكَبَتْ أَحْشَاؤُهُ كُلُّهَا. 19وَصَارَ ذلِكَ مَعْلُومًا عِنْدَ جَمِيعِ سُكَّانِ أُورُشَلِيمَ، حَتَّى دُعِيَ ذلِكَ الْحَقْلُ فِي لُغَتِهِمْ «حَقَلْ دَمَا» أَيْ: حَقْلَ دَمٍ.

وكان الناس الذين يوجه لهم بطرس خطابه من بين المعاينين لتلك الأحداث ، وظل بعضهم حيآ حتى تمت كتابة هذا السفر بجملته ل " ثاوفيلوس "أحد كبار المسئولين فى الحكومة أثناء حكم "دومتيانوس قيصر 81 - 96  م " ، وهذا متبت فى سجلات الدولة الرومانية وتاريخها ، حيث كان سيحاكم " بولس الرسول " بتهمة التبشير بالمسيح .
 ويرجح الثقاة أن تاريخ كتابته كان قبل عام 90 م
.

ولم يكن الكلام الذى تفوه به بطرس فى تأريخه لما حدث للحوارى الثانى عشر" يهوذا " مجرد تذكير بحادث رآه جميع من سمعوا وعاينوا ، وأنما كان هذا الحدث مسجل فى النبوات على فم النبى داود فى زابوره( المزامير ) 109  : 8 حيث قال :لِتَكُنْ أَيَّامُهُ قَلِيلَةً، وَوَظِيفَتُهُ لِيَأْخُذْهَا آخَرُ
وكان لزامآ على الأحد عشر أن ينتخبوا واحدآ مكانه وكان أسمه " متياس " الذى أنضم أليهم للتبشير بالمسيحية ، وكانوا عزلآ مستضعفين ، لا يملكون المال ولا  أى  منصب من مناصب الدولة الرومانية ، ولكن وحدة العالم القديم تحت سلطة الدولة الرومانية حينئذ ، ساعدتهم ، كما أضطهدتهم فى الوقت ذاته ، فبينما كان المهاجمون للمسيحية ينجحون من آن لآخر فى أثارة السلطات الرومانية ضد المسيحيين ، كانت تتوافر فى الوجه الآخر فرصة لآخرين ، من الهروب  داخل حدود تلك الدولة المترامية الأطراف ، وكانوا يستخدمون اللغة "اليونانية الكوينى" التى كان يتكلم بها عموم الناس المثقفين فى كافة أنحاء الأمبراطورية الرومانية ، فسهلت تلك اللغة الموحدة مهمتهم فى التبشير، كما كان السلام المحروس بالحاميات الرومانية المدججة بالأسلحة لتأمين الطرق المؤدية لكافة أنحاء الأمبراطورية ، لحفظ الأمن وقوافل الجند والساسة عند تنقلهم من مكان لآخر ، سبيلآ لحماية هؤلاء الهاربين.
كانوا نفرآ قليلآ ، والعالم يتبع الغالب لا المغلوب، فكيف نجح هؤلاء فى نشر رسالة بخصوص مسيح مصلوب ؟ أتباعه ضعفاء ؟ وكيف تحمل من تبعهم وآمن برسالتهم عناء الأضطهاد؟.
لقد بلغ الأمر بالمسيحية فى القرون الأولى للميلاد أن أعتبرتهم الدولة الرومانية بادىء ذى بدء طائفة من اليهود ، فكانوا من بين الذين أحرقتهم السلطات الرومانية والغوغاء  لأضاءة شوارع روما فى زمن " نيرون " ، وطردوا مع اليهود من روما بعد ذلك ، ولكنهم سرعان ما عادوا ، لنشر الرسالة من جديد .
كان على كل مواطن رومانى أن يقدم ذبيحة للأمبراطور فى هيكله ، تلك الهياكل التى كانت قد أنتشرت فى كل أصقاع الأمبراطورية ، وأن يحمل شهادة تدل على وفاءه بهذه الذبيحة ،لأثبات ولائه للأمبراطور ، فلا يعد خائنآ ، وقد رفض المسيحيون القيام بهذا لأن هذه السماحة الرومانية ، التى كانت روما تدعيها - حيث كانت تترك المواطنين يعبدون وفق عقيدتهم بحرية خالصة طوال العام ما عدا يوم عيد جلوس الأمبراطور - حيث يسجدون للأمبراطور أو لتمثاله فى هيكله ، على يد كاهنه ، الذى يعطيهم الشهادة التى تضمن لهم الأمان وحرية العبادة باقى أيام السنة  ، أما المسيحيون فيرفضون عبادة الأمبراطور ولو ليوم واحد فى السنة!!!!!!!
والجدير بالذكر أنه تم العثور فى حفائر الفيوم على شهادات كان يعطيها الكهنة بهذا الخصوص ، للشخص الذى يدفع لهم المقابل ، سواء بتقديم الذبيحة والعبادة أو بالمال .
ومع ذلك فقد كانت حياتهم مهددة من السلطات كل ساعة من ساعات السنة بطولها .
لماذا أختاروا المسيحية ؟ ولماذا أستمروا فيها
رغم كل هذا العناء ؟ ولماذا أنتشرت المسيحية كأنتشار النار فى الهشيم فى كل أنحاء الأمبراطورية ؟ ولماذا أستمرت حتى فى البلاد التى كانت تنظر للمسيحية نظرة دونية ، وتعامل المسيحيين معاملة غير عادلة حتى هذا اليوم ؟
ما هو اللغز فى المسيحية الذى لم يتوصل له حتى كل من حاول دراستها ؟

أليكم اللغز :
لغز المسيحية
(1) نشأة الفكر ومنبعه

أن السبب الأصيل الذى يمنع غير المسيحيين من فهم المسيحية هو : أنهم يبحثون فيها ، وهم يظنون أنها ديانة كسائر الديانات ، أساسها مجموعة من المبادىء والعقائد والتشريعات والتقاليد ... ألخ
لكن المسيحية لا تقوم على ذلك أطلاقآ بل كانت المبادىء والعقائد والتشريعات والتقاليد نتيجة للمسيحية وليست منشئة أو أساسآ لها .
ففى كل الديانات تمثل المبادىء والعقائد والتشريعات البدايات الحقيقية ، أو الأوليات الأساسية التى يتكون منها الدين ، فمتى توفرت تلك تمكن الفرد الذى يصل للقناعات بتلك المبادى والعقائد والتشريعات أن يقول فى الختام أنه صار ملمآ بالدين الى الدرجة التى تسمح له - متى أقتنع بتلك المعطيات - من أعتناقه ، لكن المسيحية شىء آخر
.

لذلك تجد الكثيرين عبر العصور ومن مختلف درجات التعليم يحاولون البحث فى المسيحية ، ومتى أعجبتهم المبادىء والعقائد والتشريعات قد يصرحون بأعجابهم الشديد بها لكنهم فى أغلب الأحوال لا يستطيعوا أن يكونوا مسيحيين فعلآ ، اللهم ألا فى حالات قليلة ، فيها يدرك هؤلاء ما هو ليس موجود فى الدراسة النظرية ، فيأتون أليها قانعين أو مؤمنين ، بينما تجد على الجانب الآخر من لا تروقه مبادئها أو عقائدها أو تشريعاتها فيبادر بالهجوم بحديث يظن أن حديثه الذى يظن أنه منطقى يجب أن يكون مقنعآ للمسيحيين ، لكن كل مسيحى لديه قناعة خاصة ، من نوع خاص ، لم يتمكن هو من أدراكه ، هو المقنع وراء كل تلك الأمور التى يظنها جديرة بالنقد ، وهذا هو لغز المسيحية .
فلو تمكن العالم من حرق كل كتب العهد الجديد التى كتبت بعد ميلاد المسيح ، فى كل لغات الأرض ، وتأكد محو كل ذلك من الوجود تمامآ ، ستظل المسيحية باقية ، فكل ديانة تعتمد على كتاب كمصدر ، بينما كان العهد الجديد ذاته هو نتاج للمسيحية وليس منشئآ لها ، فسوف تكون خلاصة ما كان يوجد به ، متواترة فى أقوال وعظات الآباء ، ومسطرة فى العهد القديم أصولها ، فى صورة نبوات عن المسيحية والمسيح .
فالمسيحية عندما تبلغ وتخبر وتعلم أتباعها بأن النبوات تؤيدها ، يجد المسيحى هذا حادث فعلآ بل يكون قد سبق له قراءة ومطالعة كل تلك النبوات .
حتى فى العصر الأول المبكر للمسيحية ، حيث لم يكن متيسرآ الحصول على العهد الجديد مجمعآ فى كل مكان - فى زمان كتابته مثلآ - حيث كان كل كتاب معين موجه لمكان معين ، وغير متوافر فى المكان الآخر ، حتى فى ذلك الحين ، كان المسيحيون يعرفون المسيحية بحق ، رغم عدم توافر العهد الجديد كله ، أو الأسفار السبعة والعشرون الأخيرة فى الكتاب المقدس والتى تبدأ بقصة ميلاد المسيح فى الأنجيل وتعاليمه وحياته وشرح العقائد فى ضوء الفكر المسيحى
، ومع ذلك فقد كانت المسيحية تنتشر فى كل مكان بنفس النسق الموحد لها ، دون الحاجة لتكامل وجود كل تلك الكتابات ، فها هو بطرس يكتب فى رسالته الثانية 1 : 19 ، 20
 
P19Pوَعِنْدَنَا الْكَلِمَةُ النَّبَوِيَّةُ، وَهِيَ أَثْبَتُ، الَّتِي تَفْعَلُونَ حَسَنًا إِنِ انْتَبَهْتُمْ إِلَيْهَا، كَمَا إِلَى سِرَاجٍ مُنِيرٍ فِي مَوْضِعٍ مُظْلِمٍ، إِلَى أَنْ يَنْفَجِرَ النَّهَارُ، وَيَطْلَعَ كَوْكَبُ الصُّبْحِ فِي قُلُوبِكُمْ، P20Pعَالِمِينَ هذَا أَوَّلاً: أَنَّ كُلَّ نُبُوَّةِ الْكِتَابِ لَيْسَتْ مِنْ تَفْسِيرٍ خَاصٍّ. P21Pلأَنَّهُ لَمْ تَأْتِ نُبُوَّةٌ قَطُّ بِمَشِيئَةِ إِنْسَانٍ، بَلْ تَكَلَّمَ أُنَاسُ اللهِ الْقِدِّيسُونَ مَسُوقِينَ مِنَ الرُّوحِ الْقُدُسِ.
وكان بطرس يكتب رسالته تلك قبيل نهاية القرن الأول الميلادى ومن آسيا الصغرى ، حيث لا يفترض أن يكون فى هذا المكان وجود للعهد الجديد مجمعآ ، بل ربما لم يكن من العهد الجديد ذلك فى هذا المكان بالذات ، وفى هذا التاريخ غير رسالته تلك ، لذلك يجمع علماء الكتاب أن ما كان يقصده  ب "الكلمة النبوية " أى "العهد القديم " .
أرأيتم كيف كان العهد القديم فقط بدون العهد الجديد كافيآ لتوصيل الأيمان المسيحى ؟
أذآ ما دام الكتاب ليس هو الأساس فما هو الأساس ؟
ان كون الكتاب نفسه ليس أساسآ ، يجعل من معرفة غير المسيحيين للمسيحية أمر صعب ، ليس ذلك فحسب ، بل يعطى المسيحية مناعة قوية مضادة لكل هجوم فكرى ضدها ، فكون المهاجمين للمسيحية لا يدركون أسسها ، فهم بالتالى غير قادرون على النيل منها ، ويضيع تركيزهم على نقاط يظنونها ضعفآ أدراج الرياح ، وأذا بهم بعد الهجوم الشرس يفاجئون بأنهم ، لم يهدموا المسيحية بل ربما أمدوها بأسباب للقوة أكثر من ذى قبل .
ويكشف فى كورنثوس الأولى شيئآ من هذا السر ، أو الأساس الذى بنيت عليه المسيحية ، عندما يقول فى 12 : 3 :-

 3لِذلِكَ أُعَرِّفُكُمْ أَنْ لَيْسَ أَحَدٌ وَهُوَ يَتَكَلَّمُ بِرُوحِ اللهِ يَقُولُ: «يَسُوعُ أَنَاثِيمَا». وَلَيْسَ أَحَدٌ يَقْدِرُ أَنْ يَقُولَ:«يَسُوعُ رَبٌّ» إِلاَّ بِالرُّوحِ الْقُدُسِ.( كلمة أناثيما أى مرفوض ومراد بحديثه أنه لا يوجد أحد يتكلم - وقد تحكم فيه روح الله - يستطيع أن يرفض المسيح ، ولا يستطيع بالتالى أى شخص من القول بأن المسيح هو رب ألا بواسطة تحكم الروح القدس على أفكاره )
أذآ الروح هو الأساس
.
والروح هو الله .
والله روح.
فمن يستطيع أن يحارب الله؟
الروح هو الذى يوفر القناعة الكاملة بالمسيحية ، فما جدوى الكلمات أذآ ؟ وكيف يقف المنطق البشرى حائلآ دون هذا التدفق القوى، لشحنات الثقة الربانية العلوية التى تتدفق ألى اليقين البشرى الداخلى الغير منظور للغير ، كيف يمكن قطع أوصال هذا اليقين ؟
المسيحية أذآ ليست ديانة بالمفهوم الذى أعتاده الأنسان عند بحثه وأستقصائه عن الديانات . ويقول المسيح نفسه عن نفسه فى يوحنا 10 : 14 - 18 :-

14أَمَّا أَنَا فَإِنِّي الرَّاعِي الصَّالِحُ، وَأَعْرِفُ خَاصَّتِي وَخَاصَّتِي تَعْرِفُنِي، 15كَمَا أَنَّ الآبَ يَعْرِفُنِي وَأَنَا أَعْرِفُ الآبَ. وَأَنَا أَضَعُ نَفْسِي عَنِ الْخِرَافِ. 16وَلِي خِرَافٌ أُخَرُ لَيْسَتْ مِنْ هذِهِ الْحَظِيرَةِ، يَنْبَغِي أَنْ آتِيَ بِتِلْكَ أَيْضًا فَتَسْمَعُ صَوْتِي، وَتَكُونُ رَعِيَّةٌ وَاحِدَةٌ وَرَاعٍ وَاحِدٌ. 17لِهذَا يُحِبُّنِي الآبُ، لأَنِّي أَضَعُ نَفْسِي لآخُذَهَا أَيْضًا. 18لَيْسَ أَحَدٌ يَأْخُذُهَا مِنِّي، بَلْ أَضَعُهَا أَنَا مِنْ ذَاتِي. لِي سُلْطَانٌ أَنْ أَضَعَهَا وَلِي سُلْطَانٌ أَنْ آخُذَهَا أَيْضًا. هذِهِ الْوَصِيَّةُ قَبِلْتُهَا مِنْ أَبِي».
وهو هنا يصف نفسه بأنه راعيآ صالحآ يعرف بصفة شخصية تابعيه وأن الله بصفته هو مصدر رسالته ( وهذا هو معنى كلمة الآب أى المصدر او النبع ) الله المصدر يعرف المسيح والمسيح يعرفه ، والمسيح يضحى من أجل تابعيه ( الذين يشبههم بالخراف حيث شبه نفسه بالراعى ) ، وأن له أتباع آخرين لا ينتمون لهذا المجتمع الذى يوجه كلامه أمامه ، وأنه من المحتم له أن يوصل تلك الرسالة ( أو صوته ) لهؤلاء كذلك ، فينضم هؤلاء له ، ويكونون مع سامعيه وناظريه - الذين كانوا أمامه فى ذلك الحين و فى ذلك المكان -  فيكون كل هؤلاء معآ رعية واحدة ، وهذا هو سر تفضيل الله ( المصدر أو النبع ) له ، لذلك فروحه أو حياته لا سلطان عليها من أحد ، بل أعطى الآب ( الله المصدر أو النبع ) له هذا السلطان عليها .
 ليس ذلك فقط بل يشرح كذلك أستحالة ضلال أحد هؤلاء الذين يدعوهم بصفة شخصية معللآ ذلك بما قاله فى 10 : 27 - 30 :-
 27خِرَافِي تَسْمَعُ صَوْتِي، وَأَنَا أَعْرِفُهَا فَتَتْبَعُنِي. 28وَأَنَا أُعْطِيهَا حَيَاةً أَبَدِيَّةً، وَلَنْ تَهْلِكَ إِلَى الأَبَدِ، وَلاَ يَخْطَفُهَا أَحَدٌ مِنْ يَدِي. 29أَبِي الَّذِي أَعْطَانِي إِيَّاهَا هُوَ أَعْظَمُ مِنَ الْكُلِّ، وَلاَ يَقْدِرُ أَحَدٌ أَنْ يَخْطَفَ مِنْ يَدِ أَبِي. 30أَنَا وَالآبُ وَاحِدٌ».ومفاد قوله هنا أن تابعيه يسمعون صوته ، وأنه يعرفهم ، وهو يعطيهم بالتالى حياة دائمة أبد الدهر ، تستمر حتى بعد وفاة الجسد ، ولا يستطيع أى كائن مهما كان أن يخطف هؤلاء منه ومن معرفته ، فالله المصدر قد أذن بتسليمهم له ، وهو كمصدر أعظم من الجميع لأنه كآب ( أى كمصدر أو نبع ) هو الخالق والمصور الذى لا يتسنى لأحد من مقاومة مشيئته ، ويختم تعبيره بقوله أنه هو والمصدر واحد .
ويحتار حقآ أى أنسان من محاولة فهم ذلك ويحاول أدراك ذلك المعنى ، ولكن أدراك هذا يتم بشكل يسير لكل من سمع صوته وعرفه ، لكل من آمن به بواسطة الروح الذى لا يزال يعمل ويتعامل مع كل هؤلاء الذين دعاهم أليه فى كل زمان ومكان على أرضنا .
ويفصح الكتاب كذلك عن هذا السر العجيب بالنسبة لغير المسيحيين من الباحثين الذين لا يستطيعون فهم معناه عندما يقول فى أفسس 1 : 4 - 11

 4كَمَا اخْتَارَنَا فِيهِ قَبْلَ تَأْسِيسِ الْعَالَمِ، لِنَكُونَ قِدِّيسِينَ وَبِلاَ لَوْمٍ قُدَّامَهُ فِي الْمَحَبَّةِ، 5إِذْ سَبَقَ فَعَيَّنَنَا لِلتَّبَنِّي بِيَسُوعَ الْمَسِيحِ لِنَفْسِهِ، حَسَبَ مَسَرَّةِ مَشِيئَتِهِ، 6لِمَدْحِ مَجْدِ نِعْمَتِهِ الَّتِي أَنْعَمَ بِهَا عَلَيْنَا فِي الْمَحْبُوبِ، 7الَّذِي فِيهِ لَنَا الْفِدَاءُ بِدَمِهِ، غُفْرَانُ الْخَطَايَا، حَسَبَ غِنَى نِعْمَتِهِ، 8الَّتِي أَجْزَلَهَا لَنَا بِكُلِّ حِكْمَةٍ وَفِطْنَةٍ، 9إِذْ عَرَّفَنَا بِسِرِّ مَشِيئَتِهِ، حَسَبَ مَسَرَّتِهِ الَّتِي قَصَدَهَا فِي نَفْسِهِ، 10لِتَدْبِيرِ مِلْءِ الأَزْمِنَةِ، لِيَجْمَعَ كُلَّ شَيْءٍ فِي الْمَسِيحِ، مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا عَلَى الأَرْضِ، فِي ذَاكَ 11الَّذِي فِيهِ أَيْضًا نِلْنَا نَصِيبًا، مُعَيَّنِينَ سَابِقًا حَسَبَ قَصْدِ الَّذِي يَعْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ حَسَبَ رَأْيِ مَشِيئَتِهِ،
وفى هذا النص يصرح بأن الله قد أختارنا منذ الأزل - أى قبل خلق العالم - لكى يجعل منا مختارين للأيمان به ، حيث نبدو فى عينيه بسبب محبته أننا بلا لوم أو ذنب ، حيث عيننا لنكون أبناء له من خلال تبنيه لنا ،  وكانت الواسطة التى حققت هذا التبنى هى المسيح نفسه ، بموجب أرادة الله الآب ( أى المصدر أو النبع )  فقد أستخدمه الله متجسدآ لفدائنا ، ومنحنا الحكمة والفطنة التى تؤهلنا لمعرفة مشيئته بخصوصنا ، حيث لخص الله مقاصده فى البشرية فى حياة المسيح نفسه ، ومنح للمؤمنين به نصيبآ معه فى العالم الآخر، وفى نفس الوقت عين لنا أعمالآ وأهدافآ معينة ننجزها بواسطته على أرضنا .
وكمثال لما ورد فى نبوات العهد القديم عن تلك الفترة التى تنبأ عنها ، حيث سيسود فيها الفكر المسيحى بين أمم عبد أجدادهم الأصنام فى السابق ( حيث كان النبى الذى كتب هذه النبوات يعيش ) ، ويرمز لهم ب " العاقر" ( أى السيدة التى ليس لها قدرة على الأنجاب حيث كان فى عهده الأمم عبدة الأصنام لا ينجبون أولادآ مؤمنين ) فسوف ينتشر نسلآ يصنعه الله لتلك الأمة العاقر ،  فى كل مكان فى الأرض  ، يدعوهم الله ويمكن لهم الحماية والأستمرار كما جاء فى أشعياء الفصل الرابع والخمسون حيث يقول :-

«تَرَنَّمِي أَيَّتُهَا الْعَاقِرُ الَّتِي لَمْ تَلِدْ. أَشِيدِي بِالتَّرَنُّمِ أَيَّتُهَا الَّتِي لَمْ تَمْخَضْ، لأَنَّ بَنِي الْمُسْتَوْحِشَةِ أَكْثَرُ مِنْ بَنِي ذَاتِ الْبَعْلِ، قَالَ الرَّبُّ. 2أَوْسِعِي مَكَانَ خَيْمَتِكِ، وَلْتُبْسَطْ شُقَقُ مَسَاكِنِكِ. لاَ تُمْسِكِي. أَطِيلِي أَطْنَابَكِ وَشَدِّدِي أَوْتَادَكِ، 3لأَنَّكِ تَمْتَدِّينَ إِلَى الْيَمِينِ وَإِلَى الْيَسَارِ، وَيَرِثُ نَسْلُكِ أُمَمًا، وَيُعْمِرُ مُدُنًا خَرِبَةً. 4لاَ تَخَافِي لأَنَّكِ لاَ تَخْزَيْنَ، وَلاَ تَخْجَلِي لأَنَّكِ لاَ تَسْتَحِينَ. فَإِنَّكِ تَنْسَيْنَ خِزْيَ صَبَاكِ، وَعَارُ تَرَمُّلِكِ لاَ تَذْكُرِينَهُ بَعْدُ. 5لأَنَّ بَعْلَكِ هُوَ صَانِعُكِ، رَبُّ الْجُنُودِ اسْمُهُ، وَوَلِيُّكِ قُدُّوسُ إِسْرَائِيلَ، إِلهَ كُلِّ الأَرْضِ يُدْعَى. 6لأَنَّهُ كَامْرَأَةٍ مَهْجُورَةٍ وَمَحْزُونَةِ الرُّوحِ دَعَاكِ الرَّبُّ، وَكَزَوْجَةِ الصِّبَا إِذَا رُذِلَتْ، قَالَ إِلهُكِ. 7لُحَيْظَةً تَرَكْتُكِ، وَبِمَرَاحِمَ عَظِيمَةٍ سَأَجْمَعُكِ. 8بِفَيَضَانِ الْغَضَبِ حَجَبْتُ وَجْهِي عَنْكِ لَحْظَةً، وَبِإِحْسَانٍ أَبَدِيٍّ أَرْحَمُكِ، قَالَ وَلِيُّكِ الرَّبُّ. 9لأَنَّهُ كَمِيَاهِ نُوحٍ هذِهِ لِي. كَمَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ تَعْبُرَ بَعْدُ مِيَاهُ نُوحٍ عَلَى الأَرْضِ، هكَذَا حَلَفْتُ أَنْ لاَ أَغْضَبَ عَلَيْكِ وَلاَ أَزْجُرَكِ. 10فَإِنَّ الْجِبَالَ تَزُولُ، وَالآكَامَ تَتَزَعْزَعُ، أَمَّا إِحْسَانِي فَلاَ يَزُولُ عَنْكِ، وَعَهْدُ سَلاَمِي لاَ يَتَزَعْزَعُ، قَالَ رَاحِمُكِ الرَّبُّ.
11«أَيَّتُهَا الذَّلِيلَةُ الْمُضْطَرِبَةُ غَيْرُ الْمُتَعَزِّيَةِ، هأَنَذَا أَبْنِي بِالأُثْمُدِ حِجَارَتَكِ، وَبِالْيَاقُوتِ الأَزْرَقِ أُؤَسِّسُكِ، 12وَأَجْعَلُ شُرَفَكِ يَاقُوتًا، وَأَبْوَابَكِ حِجَارَةً بَهْرَمَانِيَّةً، وَكُلَّ تُخُومِكِ حِجَارَةً كَرِيمَةً 13وَكُلَّ بَنِيكِ تَلاَمِيذَ الرَّبِّ، وَسَلاَمَ بَنِيكِ كَثِيرًا. 14بِالْبِرِّ تُثَبَّتِينَ بَعِيدَةً عَنِ الظُّلْمِ فَلاَ تَخَافِينَ، وَعَنِ الارْتِعَابِ فَلاَ يَدْنُو مِنْكِ. 15هَا إِنَّهُمْ يَجْتَمِعُونَ اجْتِمَاعًا لَيْسَ مِنْ عِنْدِي. مَنِ اجْتَمَعَ عَلَيْكِ فَإِلَيْكِ يَسْقُطُ. 16هأَنَذَا قَدْ خَلَقْتُ الْحَدَّادَ الَّذِي يَنْفُخُ الْفَحْمَ فِي النَّارِ وَيُخْرِجُ آلَةً لِعَمَلِهِ، وَأَنَا خَلَقْتُ الْمُهْلِكَ لِيَخْرِبَ.
17«كُلُّ آلَةٍ صُوِّرَتْ ضِدَّكِ لاَ تَنْجَحُ، وَكُلُّ لِسَانٍ يَقُومُ عَلَيْكِ فِي الْقَضَاءِ تَحْكُمِينَ عَلَيْهِ. هذَا هُوَ مِيرَاثُ عَبِيدِ الرَّبِّ وَبِرُّهُمْ مِنْ عِنْدِي، يَقُولُ الرَّبُّ.
فاللغز ببساطة هو فى الأساس الروحى للمسيحية ، ومن هو الفاعل الحقيقى الذى يقوم بنشرها ، فلا يعقل أن يكون بقوة فئة من الضعفاء تنتشر، ولا بمجرد مبادىء نظرية مدعومة بواسطة أى قوة معروفة بين البشر، بل يكمن اللغز فى مصدرها الألهى الذى أختبره كل من قبل المسيحية ، خصوصآ لو كان مولودآ فى بيت غير مسيحى ، فكل هؤلاء عند سؤالهم - بعد أيمانهم - يفاجأ من  يحاكمهم على قبول هذا الفكر بأن الذى دخل للمسيحية طلب بأخلاص من الله أن يكشف له الحقيقة ، وبعد ألحاح وجدية تراءى له المسيح ، أو ألقى الروح فى روعه قناعة كافية ، لا تدانيها أى قناعة بأى فكر من أفكار البشر.

د . ق . جوزيف المنشاوى .